الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الرجل يبعث وحده سرية

                                                                                                          1672 حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا الحجاج بن محمد حدثنا ابن جريج في قوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية أخبرنيه يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن جريج [ ص: 258 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 258 ] ( باب ما جاء في الرجل يبعث وحده سرية ) لا يظهر معنى هذه الترجمة إلا أن يقدر لفظ " على " قبل سرية ، ويقال : إن المراد أنه يجوز أن يبعث الرجل وحده أميرا على سرية ، هذا ما عندي والله تعالى أعلم بمراد المصنف من هذه الترجمة . وقال في هامش النسخة الأحمدية : لا يناسب هذه الترجمة حديث الباب لأن عبد الله جعل أميرا وله قصة مذكورة في الأصول من أنه قال لرجال السرية : احرقوا أنفسكم إن كنتم تطيعون أولي الأمر فأبوا ، لعل المراد بالبعث وحده بعثه عقيب السرية وحده وجعله أميرا عليها والله أعلم ، كذا بلغني عن شيخنا انتهى ما في هامش النسخة الأحمدية .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا محمد بن يحيى ) هو الإمام الذهلي .

                                                                                                          قوله : ( قال عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي : بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية ) ضمير قال راجع إلى ابن جريج ، وعبد الله بن حذافة مبتدأ وبعثه خبره ، والضمير المنصوب لعبد الله بن حذافة أي قال ابن جريج إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة على سرية ، وفي رواية مسلم : قال ابن جريج : نزل يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ( أخبرنيه ) هذا مقول ابن جريج ( يعلى بن مسلم ) ابن هرمز المكي ، أصله من البصرة ، ثقة من السادسة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان .

                                                                                                          تنبيهان :

                                                                                                          الأول - قال العلماء : المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء ، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم ، وقيل : هم العلماء ، وقيل : الأمراء والعلماء . وأما من قال الصحابة خاصة فقط فقد أخطأ ، قاله النووي . وقال الحافظ : اختلف في المراد بأولي الأمر في الآية . فعن أبي هريرة قال : هم الأمراء ، أخرجه الطبري بإسناد صحيح ، [ ص: 259 ] وأخرجه عن ميمون بن مهران وغيره نحوه ، وعن جابر بن عبد الله قال : هم أهل العلم والخير ، وعن مجاهد وعطاء والحسن وأبي العالية : هم العلماء ، ومن وجه آخر أصح منه عن مجاهد قال : هم الصحابة . وهذا أخص ، وعن عكرمة قال : أبو بكر وعمر ، وهذا أخص من الذي قبله ، ورجح الشافعي الأول واحتج له بأن قريشا كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : من أطاع أميري فقد أطاعني . متفق عليه واختار الطبري حملها على العموم وإن نزلت في سبب خاص انتهى . وذكر العيني في شرح البخاري في تفسير قوله : أولي الأمر أحد عشر قولا ، وقال : الحادي عشر عام في كل من ولي أمر شيء وهو الصحيح ، وإليه مال البخاري بقوله ذوي الأمر انتهى .

                                                                                                          قلت : الصحيح عندي هو ما صححه العيني ومال إليه البخاري ، من أن المراد بأولي الأمر كل من ولي أمر شيء ، والدليل على ذلك أن واحد أولي " ذو " لأنها لا واحد لها من لفظها ، ومعنى أولي الأمر ذوو الأمر ، ومن الظاهر أن ذا الأمر لا يكون إلا من ولي أمر شيء وأما أهل العلم فهم أولو العلم لا أولو الأمر .

                                                                                                          الثاني : روى البخاري في صحيحه عن علي قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب ، قال : أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : فاجمعوا لي حطبا فجمعوا ، فقال : أوقدوا نارا فأوقدوها ، فقال : ادخلوها . فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون : فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة ، الطاعة في المعروف " . اختلف أهل العلم في هذا الرجل الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على السرية فقيل : إنه عبد الله بن حذافة السهمي ، قال النووي : وهذا ضعيف لأنه وقع في رواية أخرى أنه رجل من الأنصار فدل على أنه غيره انتهى . وقال ابن الجوزي قوله : من الأنصار ، وهم من بعض الرواة وإنما هو سهمي ، قال الحافظ : ويؤيده حديث ابن عباس عند أحمد في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم الآية نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية