الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) ثانيها ( لغو ) لا مؤاخذة فيها إلا في ثلاث طلاق وعتاق ونذر أشباه ، فيقع الطلاق على غالب الظن إذا تبين خلافه ، وقد اشتهر عن الشافعية خلافه ( إن حلف كاذبا يظنه صادقا ) في ماض أو حال فالفارق بين الغموس واللغو تعمد الكذب ، وأما في المستقبل فالمنعقدة .

[ ص: 707 ] وخصه الشافعي بما جرى على اللسان بلا قصد ، مثل لا والله وبلى والله ولو لآت ، فلذا قال ( ويرجى عفوه ) أو تواضعا وتأدبا ، [ ص: 708 ] وكاللغو حلفه على ماض صادقا كوالله إني لقائم الآن في حال قيامه

التالي السابق


( قوله إلا في ثلاث إلخ ) استثناء منقطع لأن الكلام في اليمين بالله تعالى وهذا في غيره ولذا قال في الاختيار : وروى ابن رستم عن محمد : لا يكون اللغو إلا في اليمين بالله تعالى وذلك أن في حلفه بالله تعالى على أمر يظنه كما قال ليس كذلك لغا المحلوف عليه وبقي قوله والله فلا يلزمه شيء ، وفي اليمين بغيره تعالى يلغو المحلوف عليه ويبقى قوله امرأته طالق وعبده حر وعليه حج فيلزمه ا هـ ملخصا ( قوله فيقع الطلاق ) أي والعتاق ويلزمه النذر كما علمت ( قوله يظنه ) أي يظن نفسه ( قوله فالفارق إلخ ) أقول : هناك فارق آخر ، وهو أن الغموس تكون في الأزمنة الثلاثة على ما سيأتي واللغو لا تكون في الاستقبال ح ( قوله وأما في المستقبل فالمنعقدة ) لا يخفى أن كلامه في الحلف كاذبا يظنه صادقا وهذا في المستقبل لا يكون إلا يمينا منعقدة ، فلا يرد أن الغموس يكون في المستقبل أيضا لأن الغموس لا بد فيه من تعمد الكذب وليس الكلام [ ص: 707 ] فيه فافهم ( قوله وخصه الشافعي إلخ ) اعلم أن تفسير اللغو بما ذكره المصنف هو المذكور في المتون والهداية وشروحها . ونقل الزيلعي أنه روي عن أبي حنيفة كقول الشافعي . وفي الاختيار أنه حكاه محمد عن أبي حنيفة ، وكذا نقل في البدائع الأول عن أصحابنا . ثم قال : وما ذكر محمد على أثر حكايته عن أبي حنيفة أن اللغو ما يجري بين الناس من قولهم لا والله وبلى والله فذلك محمول عندنا على الماضي أو الحال ، وعندنا ذلك لغو . فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي في يمين لا يقصدها الحالف في المستقبل . فعندنا ليست بلغو وفيها الكفارة . وعنده هي لغو ولا كفارة فيها ا هـ فقوله فذلك محمول عندنا إلى آخر كلامه خبر قوله وما ذكر محمد إلخ فهو مبني على تلك الرواية المحكية عن أبي حنيفة أراد به بيان الفرق بينهما وبين قول الشافعي ، وذلك أن المستقبل يكون لغوا عنده لا عندنا . وقد فهم صاحب البحر من كلام البدائع حيث عبر بقوله عندنا وقوله فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي إلخ أن مذهبنا في اليمين اللغو أنها التي لا يقصدها الحالف في الماضي أو الحال كما يقوله الشافعي إلا في المستقبل .

قلت : هذا وإن كان يوهمه آخر كلام البدائع ، لكن أوله صريح بخلافه حيث عزا ما في المتون إلى أصحابنا ثم نقل ما حكاه محمد عن أبي حنيفة . فعلم أن قوله عندنا إلخ بناء على هذه الرواية كما قلنا وبين المذهب ، وهذه الرواية منافاة ، فإن حلفه على أمر يظنه كما قال لا يكون إلا عن قصد فينا في تفسير اللغو بالتي لا يقصدها ، نعم ادعى في البحر أن المقصودة إذا كانت لغوا فالتي لا يقصدها كذلك بالأولى فيكون تفسيرنا اللغو أعم من تفسير الشافعي . ولا يخفى أن هذا خروج عن الجادة وعن ظاهر كلامهم ، ولا بد له من نقل صريح . والذي دعاه إلى هذا التكلف نظره إلى ظاهر عبارة البدائع الأخيرة وقد سمعت تأويلها ، وكأن الشارح نظر إلى كلام البحر من أن مذهبنا أعم من مذهب الشافعي فلذا قال وخصه الشافعي فافهم ، نعم قد يقال : إذا لم تكن هذه لغوا يلزم أن تكون قسما خارجا عن الأقسام الثلاثة ، فالأحسن أن يقال إن اللغو عندنا قسمان :

الأول ما ذكر في المتون ،

والثاني ما في هذه الرواية فتكون هذه الرواية بيانا للقسم الذي سكت عنه أصحاب المتون ، ويأتي قريبا عن الفتح التصريح بعدم المؤاخذة في اللغو على التفسيرين ، فهذا مؤيد لهذا التوفيق ، والله سبحانه أعلم .

( قوله ولو لآت ) أي ولو لزمان آت أي مستقبل فإنه لغو عند الشافعي لا عندنا حتى على الرواية المحكية عن أبي حنيفة ( قوله فلذا قال إلخ ) أي للاختلاف في اللغو . قال : ويرجى عفوه ، وهذا جواب عن الاعتراض على تعليق محمد العفو بالرجاء بأن قوله تعالى - { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } - مقطوع به فأجاب في الهداية بأنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسير اللغو .

واعترضه في الفتح بأن الأصح أن اللغو بالتفسيرين متفق على عدم المؤاخذة به في الآخرة وكذا في الدنيا بالكفارة قال : فالأوجه ما قيل إنه لم يرد به التعليق ، بل التبرك باسمه تعالى والتأدب { كقوله عليه الصلاة والسلام لأهل المقابر وإنا إن شاء الله بكم لاحقون } " وأجاب في النهر بأنه اختلف في المؤاخذة المنفية هل هي المعاقبة في الآخرة أو الكفارة قال : ولا شك أن تفسير اللغو على رأينا ليس أمرا مقطوعا به إذ الشافعي قائل بأنه من المنعقدة فلا جرم علقه بالرجاء وهذا معنى دقيق ولم أر من عرج عليه . ا هـ .

قلت : إنما لم يعرج أحد عليه لما علمت من الاتفاق على عدم المؤاخذة به في الآخرة ، وكذا في الدنيا بالكفارة [ ص: 708 ] فافهم .

( قوله وكاللغو إلخ ) حاصله أن حلفه على ماض صادقا يمين مع أنه لم يدخل في الأقسام الثلاثة فيكون قسما رابعا ، وهو مبطل لحصرهم اليمين في الثلاثة . وأجاب صدر الشريعة بأنهم أرادوا حصر اليمين التي اعتبرها الشرع ورتب عليها الأحكام . ورده في البحر بأن عدم الإثم فيها حكم . وقال في النهر : فيه نظر . قال ح : والحق ما في البحر ، ولا وجه للنظر . ا هـ .

قلت : وأجاب في الفتح بأن الأقسام الثلاثة فيما يتصور فيه الحنث لا في مطلق اليمين ( قوله كوالله إني لقائم الآن ) تبع فيه النهر ، وكأنه تنظير لا تمثيل أشار به إلى أن الماضي كالحال . والأحسن قول الفتح كوالله لقد قام زيد أمس




الخدمات العلمية