الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) ثالثها ( منعقدة وهي حلفه على ) مستقبل ( آت ) يمكنه ، فنحو : والله لا أموت ولا تطلع الشمس من الغموس ( و ) هذا القسم ( فيه الكفارة ) لآية - { واحفظوا أيمانكم } - ولا يتصور حفظ إلا في مستقبل ( فقط ) وعند الشافعي يكفر في الغموس أيضا ( إن حنث ، وهي ) أي الكفارة ( ترفع الإثم وإن لم توجد ) منه ( التوبة ) عنها ( معها ) أي مع الكفارة سراجية ( ولو ) الحالف ( مكرها ) أو مخطئا [ ص: 709 ] أو ذاهلا أو ساهيا ( أو ناسيا ) بأن حلف أن لا يحلف ثم نسي وحلف ، فيكفر مرتين : مرة لحنثه وأخرى إذا فعل المحلوف عليه عيني لحديث " { ثلاث هزلهن جد } " منها اليمين ( في اليمين أو الحنث ) فيحنث بفعل المحلوف عليه مكرها خلافا للشافعي ( وكذا ) يحنث [ ص: 710 ] ( لو فعله وهو مغمى عليه أو مجنون ) فيكفر بالحنث كيف كان .

التالي السابق


( قوله على مستقبل ) لا حاجة إليه . ا هـ . ح . وقد يجاب بأن لفظ آت اسم فاعل ، وحقيقته ما اتصف بالوصف في الحال فمثل قائم حقيقة فيمن اتصف بالإتيان في الحال ويحتمل الاستقبال ، وكذا لفظ آت حقيقة فيمن اتصف بالإتيان في الحال ، ويحتمل الاستقبال فزاد الشارح لفظ مستقبل لدفع إرادة الحال .

ولا يرد أن لفظ مستقبل حقيقة في الحال أيضا . لأنا نقول : معناه أنه متصف في الحال بكونه مستقبلا أي منتظرا وذلك لا يقتضي حصوله في الحال ، لكن كان المناسب تأخير مستقبل عن آت ( قوله يمكنه ) أشار إلى ما في النهر حيث قال : ويجب أن يراد بالفعل فعل الحالف ليخرج نحو والله لا أموت إلخ ، لكن هذا أعم من الممكن وغيره ، وتعبير الشارح أحسن لأنه يرد على عبارة النهر نحو والله لأشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه لا يحنث لعدم إمكان البر مع أنه من فعله ، ومقتضى كلامه أن هذا المثال من الغموس ، لكن ينبغي تقييده بما إذا علم وقت الحلف أنه لا ماء فيه . وأما إذا لم يعلم فليس منها ولا من المنعقدة لعدم الإمكان ، فإن جعلت من اللغو انتقض ما مر من أنها لا تكون على الاستقبال . والذي يظهر لي أنها غير يمين أصلا سواء علم أو لا ، لما مر من أن شرط اليمين إمكان البر فليتأمل ( قوله ولا يتصور حفظ إلا في مستقبل ) قلت : كون الحفظ لا يتصور إلا في مستقبل معناه أنه لا يتصور في ماض أو في حال لأن الحفظ منع نفسه عن الحنث فيها بعد وجودها مترددة بين الهتك والحفظ وذلك لا يكون في غير المستقبل . ولا يخفى أن هذا لا يستلزم أن كل مستقبل كذلك : أي يتصور فيه الحفظ حتى يرد عليه الغموس المستقبلة التي لا يمكن حفظها نعم يرد لو قال ولا يتصور مستقبل إلا محفوظا . والفرق بين العبارتين ظاهر فافهم ( قوله فقط ) قيد للهاء من فيه ، فالمعنى أن فيه لا في غيره من قسيميه الكفارة لا للكفارة حتى يصير المعنى أن فيه الكفارة لا غيرها من الإثم ، لكن الأولى أن يقول وفيه فقط الكفارة . ا هـ . ح وهذا جواب للعيني دفع به اعتراض الزيلعي على الكنز بأن المنعقدة فيها إثم أيضا .

واعترضه في البحر بأن الإثم غير لازم لها لأن الحنث قد يكون واجبا أو مستحبا . وأجاب في النهر بأنه تخلف لعارض فلا يرد ( قوله وإن لم توجد منه التوبة عنها ) أي عن اليمين ، والمراد عن حنثه فيها وهو متعلق بالتوبة وقوله معها متعلق بتوجد وفي عدم لزوم التوبة مع الكفارة كلام قدمناه في جنايات الحج فراجعه ( قوله أو مخطئا ) من أراد شيئا فسبق لسانه إلى غيره كما أفاده القهستاني . قال في النهر : كما إذا أراد أن يقول اسقني الماء فقال والله لا أشرب الماء .

[ ص: 709 ] مطلب في الفرق بين السهو والنسيان

( قوله أو ذاهلا أو ساهيا أو ناسيا ) قال ابن أمير حاج في شرح التحرير : وجزم كثير باتحاد السهو والنسيان ، لأن اللغة لا تفرق بينهما وإن فرقوا بينهما بأن السهو زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة . والنسيان زوالها عنهما معا فيحتاج حينئذ في حصولها إلى سبب جديد وقيل النسيان عدم ذكر ما كان مذكورا . والسهو غفلة عما كان مذكورا وما لم يكن مذكورا ، فالنسيان أخص منه . مطلقا . وقيل يسمى زوال إدراك سابق قصر زمان زواله نسيانا وغفلة لا سهوا ، وزوال إدراك سابق طال زمان زواله سهوا ونسيانا ، فالنسيان أعم منه مطلقا . وقال الشيخ سراج الدين الهندي : والحق أن النسيان من الوجدانيات التي لا تفتقر إلى تعريف بحسب المعنى ، فإن كل عاقل يعلم النسيان كما يعلم الجوع والعطش ا هـ ح .

قلت : لكن ظهور الفرق بينه وبين السهو يتوقف على التعريف . وفي المصباح : فرقوا بين الساهي والناسي ، بأن الناسي إذا ذكرته تذكر ، والساهي بخلافه . ا هـ . وعليه فالسهو أبلغ من النسيان ، وفيه ذهل بفتحتين ذهولا غفل . وقال الزمخشري : ذهل عن الأمر تناساه عمدا وشغل عنه وفي لغة من باب تعب ( قوله بأن حلف أن لا يحلف ) قال في النهر : أراد بالناسي المخطئ . وفي الكافي : وعليه اقتصر في العناية . والفتح هو من تلفظ باليمين ذاهلا عنه ، والملجئ إلى ذلك أن حقيقة النسيان في اليمين لا تتصور . قال الزيلعي : وقال العيني وتبعه الشمني : بل تصور بأن حلف أن لا يحلف ثم نسي الحلف السابق فحلف . ورده في البحر بأنه فعل المحلوف عليه ناسيا لا أن حلفه كان ناسيا . ا هـ . وفيه نظر إذ فعل المحلوف عليه ناسيا لا ينافي كونه يمينا بدليل أنه يكفر مرتين : مرة باعتبار أنه فعل المحلوف عليه وأخرى باعتبار حنثه في اليمين ا هـ كلام النهر .

أقول : الحق ما في البحر ، فإن فعل المحلوف عليه ناسيا وإن لم يناف كونه يمينا ، لكن تعلق النسيان به من جهة كونه حنثا لا من جهة كونه يمينا إذ هو من هذه الجهة لم يتعلق النسيان كما لا يخفى على منصف . ا هـ . ح ( قوله لحديث إلخ ) في شرح الوقاية للعلامة منلا علي القاري : لفظ اليمين غير معروف إنما المعروف ما رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة وحسنه الترمذي وصححه الحاكم بلفظ النكاح والطلاق والرجعة وقد رواه ابن عدي فقال " { الطلاق والنكاح والعتاق } " . ا هـ .

وفي الفتح : اعلم أنه لو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل لأن المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدا والهازل قاصد اليمين غير راض بحكمه فلا يعتبر عدم رضاه به شرعا بعد مباشرته السبب مختارا ، والناسي بالتفسير المذكور لم يقصد شيئا أصلا ولم يدر ما صنع ، وكذا المخطئ لم يقصد قط التلفظ به بل بشيء آخر ، فلا يكون الوارد في الهازل واردا في الناسي الذي لم يقصد قط مباشرة السبب فلا يثبت في حقه نصا ولا قياسا . ا هـ . ( قوله في اليمين أو الحنث ) متعلق بقوله ولو مكرها أو ناسيا أي سواء كان الإكراه أو النسيان في نفس اليمين وقد مر ، أو في الحنث بأن فعل ما حلف عليه مكرها أو ناسيا لأن الفعل شرط الحنث وهو سبب الكفارة والفعل الحقيقي لا ينعدم بالإكراه والنسيان ( قوله فيحنث بفعل المحلوف عليه ) فلو لم يفعله ، كما لو حلف أن لا يشرب فصب الماء في حلقه مكرها [ ص: 710 ] فلا حنث عليه نهر ( قوله لو فعله وهو مغمى إلخ ) أما لو حلف وهو كذلك فلا يلزمه شيء لعدم شرط الصحة كما مر




الخدمات العلمية