الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2057 2058 2059 [ ص: 465 ] ص: حدثنا ابن مرزوق ، وعلي بن عبد الرحمن ، قالا: ثنا عفان ، قال: ثنا وهيب ، قال: حدثني موسى بن عقبة ، قال: سمعت أبا النضر يحدث، عن بسر ابن سعيد ، عن زيد بن ثابت: " أن النبي - عليه السلام - احتجر حجرة في المسجد من حصير، فصلى فيها النبي - عليه السلام - ليالي حتى اجتمع إليه ناس، ثم فقدوا صوته، فظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، فقال: ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم منذ الليلة حتى خشيت أن يكتب عليكم قيام الليل، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا الوحاظي ، قال: ثنا سليمان بن بلال ، قال: حدثني بردان إبراهيم ابن أبي فلان ، عن أبيه ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت ، - رضي الله عنه - أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة".

                                                حدثنا ربيع الجيزي ، قال: ثنا أسد وأبو الأسود ، قالا: أنا ابن لهيعة ، عن أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت ، أن النبي - عليه السلام - قال: " إن أفضل صلاة المرء: صلاته في بيته إلا المكتوبة".

                                                التالي السابق


                                                ش: أخرج حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - بيانا لقوله: "وقد روي عنه أيضا أنه قال: "خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".

                                                وذلك من ثلاث طرق:

                                                الأول: بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق ، وعلي بن عبد الرحمن بن محمد ابن المغيرة الكوفي، كلاهما عن عفان بن مسلم الصفار ، عن وهيب بن خالد ، عن موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي المدني ، عن أبي النضر -بالنون والضاد المعجمة- سالم بن أبي أمية القرشي التيمي المدني مولى عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي عن بسر -بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة- بن سعيد المدني العابد .

                                                وهؤلاء كلهم من رجال الجماعة ما خلا شيخي الطحاوي .

                                                [ ص: 466 ] وأخرجه النسائي : عن أحمد بن سليمان ، عن عفان بن مسلم ... إلى آخره نحوه سواء سندا ومتنا، غير أن لفظه: "فظنوا أنه نائم" و"إلا الصلاة المكتوبة".

                                                وأخرجه البخاري : ثنا عبد الأعلى بن حماد، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا موسى بن عقبة ، عن سالم أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت: "أن رسول الله - عليه السلام - اتخذ حجرة -قال: حسبت أنه قال: من حصير- في رمضان فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم فقال: قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم; فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".

                                                وأخرجه مسلم : نا محمد بن مثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا عبد الله بن سعيد، قال: ثنا سالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: "احتجر رسول الله - عليه السلام - حجيرة بخصفة أو حصير، فخرج رسول الله - عليه السلام - يصلي فيها فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته، ثم جاءوا ليلة فحضروا، فأبطأ رسول الله - عليه السلام - عنهم فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله - عليه السلام - مغضبا، فقال لهم رسول الله - عليه السلام -: ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه ستكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة".

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا هارون بن عبد الله البزاز، ثنا مكي بن إبراهيم، نا عبد الله -يعني ابن سعيد- بن أبي هند ، عن أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت أنه قال: "احتجر رسول الله - عليه السلام - في المسجد حجرة فكان رسول الله - عليه السلام - يخرج من الليل فيصلي فيها، قال: فصلوا معه بصلاته -يعني رجالا- وكانوا

                                                [ ص: 467 ] يأتون كل ليلة، حتى إذا كان ليلة من الليالي لم يخرج إليهم رسول الله - عليه السلام -، فتنحنحوا ورفعوا أصواتهم وحصبوا بابه، قال: فخرج إليهم رسول الله - عليه السلام - مغضبا فقال: أيها الناس، ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أن ستكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".


                                                قوله: "احتجر" افتعل من الحجرة وهي الموضع المنفرد، والمعنى: اتخذ حجرة أو اقتطع موضعا حجره عن غيره، والحجر: المنع، ومنه سميت الحجرة.

                                                قوله: "من حصير" وهو الذي يصنع من خوص المقل والنخل، قال عياض في "شرح مسلم": الخصفة والحصير بمعنى.

                                                وفي "المحكم": أن الحصير يصنع من بردي وأسل، ثم يفترش; سمي بذلك لأنه يلي وجه الأرض، ووجه الأرض يسمى حصيرا.

                                                وفي "الجمهرة": الحصير عربي; سمي حصيرا لانضمام بعضه إلى بعض.

                                                ومما يستفاد منه:

                                                جواز اتخاذ الحجرة في المسجد إذا لم تضر بالمصلين، وجواز صلاة النفل فيه، والأفضل في النفل إقامته في المنازل والبيوت.

                                                الثاني: أيضا إسناده صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود ، عن يحيى بن صالح الشامي الدمشقي -ويقال: الحمصي- الوحاظي - نسبة إلى وحاظة- بن سعد أحد مشايخ البخاري ، عن سليمان بن بلال القرشي التيمي أبي محمد المدني روى له الجماعة، عن بردان -بفتح الباء الموحدة وسكون الراء- وهو لقب إبراهيم ابن أبي فلان، ولهذا ترك العاطف بين بردان وبين إبراهيم; لأن إبراهيم وقع عطف بيان عن بردان ، وإبراهيم بن أبي فلان هو إبراهيم بن أبي النضر سالم بن أبي أمية القرشي المدني، وثقه ابن حبان، وروى له أبو داود، وهو يروي عن أبيه أبي النضر سالم، وقد مر ذكره في الطريق السابق، وهو يروي عن بسر بن سعيد ... إلى آخره.

                                                [ ص: 468 ] وأخرجه الطبراني في "الكبير" وقال: ثنا علي بن المبارك الصنعاني وعلي بن جبلة الأصبهاني ومحمد بن نصر الصائغ، قالوا: ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني سليمان بن بلال ، عن إبراهيم بردان بن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن أبيه، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت ، عن رسول الله - عليه السلام - أنه قال: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة".

                                                الثالث: عن ربيع بن سليمان الجيزي شيخ أبي داود والنسائي أيضا، عن أسد بن موسى وأبي الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي كلاهما، عن عبد الله بن لهيعة المصري فيه مقال، عن أبي النضر سالم بن أبي أمية ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أحمد في"مسنده" : ثنا وكيع، قال: ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن سالم أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".




                                                الخدمات العلمية