الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذمي حلف على يمين ، ثم أسلم ، ثم حنث في يمينه لم يكن عليه كفارة عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى : يلزمه الكفارة ; لأنه من أهل اليمين ، فإن المقصود من اليمين الحظر أو الإيجاب ، والذمي من أهله . قال الله تعالى { : ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم } فقد جعل للكافرين يمينا ، والدليل عليه أنه يستحلف في المظالم والخصومات بالله ، وأنه من أهل الطلاق والعتاق ومن أهل اليمين بالطلاق والعتاق ، فيكون من أهل اليمين بالله تعالى وإذا انعقدت يمينه يلزمه الكفارة عند الحنث إن حنث قبل الإسلام كفر بالمال ; لأنه ليس من أهل التكفير بالصوم ، ونظيره العبد يلزمه الكفارة بالتكفير بالصوم ; لأنه ليس بأهل للتكفير بالمال ، وإن حنث بعد الإسلام كفر بالصوم إذا لم يجد المال ، والدليل على أن الكافر أهل للكفارة ، وأن في الكفارة معنى العقوبة ومعنى العبادة ، فيجب على الكافر بطريق العقوبة ، وعلى المسلم بطريق الطهرة كالحدود ، فإنها كفارات كما قال صلى الله عليه وسلم { : الحدود كفارات لأهلها ثم تقام على المسلم التائب تطهرا وعلى الكافر عقوبة } .

( وحجتنا ) في ذلك حديث قيس بن عاصم المنقري حيث { سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني حلفت في الجاهلية ، أو قال : نذرت فقال صلى الله عليه وسلم : هدم الإسلام ما كان في الشرك } ; ولأن وجوب الكفارة باعتبار هتك حرمة اسم الله تعالى بالحنث ، وما فيه من الشرك أعظم من ذلك ، فقد هتك حرمة اسم الله تعالى بإصراره على الشرك بأبلغ الجهات [ ص: 147 ] وعقد اليمين لما فيه من الحظر والإيجاب تعظيما لحرمة اسم الله تعالى والكافر ليس بأهل له قال الله تعالى { : فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم } . والاستحلاف في المظالم والخصومات ; لأنه من أهل مقصودها ، وهو النكول أو الإقرار وانعقاد يمينه بالطلاق والعتاق ; لأنه من أهلها مجيزا ، فأما هذه اليمين موجبها البر لتعظيم اسم الله ، والكافر ليس من أهله وبعد الحنث موجبها الكفارة ، والكافر ليس بأهل لها ; لأن الكفارة كاسمها ستارة للذنب . قال الله تعالى { : إن الحسنات يذهبن السيئات } ، ومعنى العقوبة في الكفارة صورة فأما من حيث المعنى ، والحكم المقصود منها العبادة .

ألا ترى أنه يأتي بها من غير أن تقام عليه كرها ، وأنها تتأدى بالصوم الذي هو محض العبادة ، ولا تتأدى إلا بنية العبادة ، والمقصود بها التطهر كما بينا بخلاف الحدود فإنها تقام خزيا وعذابا ونكالا ، ومعنى التكفير بها إذا جاء تائبا مستسلما مؤثرا عقوبة الدنيا على عقوبة الآخرة ، كما فعله ماعز رضي الله عنه ، فلهذا يستقيم إقامتها على الكافر بطريق الخزي والنكال .

التالي السابق


الخدمات العلمية