الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر القبض على مجاهد الدين وما حصل من الضرر بذلك

في هذه السنة ، في جمادى الأولى ، قبض عز الدين مسعود ، صاحب الموصل ، على نائبه مجاهد الدين قايماز ، وكان إليه الحكم في جميع البلاد واتبع في ذلك هوى من أراد المصلحة لنفسه ، ولم ينظر في مضرة صاحبه .

وكان الذي أشار بذلك عز الدين محمود زلفندار ، وشرف الدين أحمد بن أبي [ ص: 476 ] الخير الذي كان أبوه صاحب الغراف ، وهما من أكابر الأمراء ، فلما أراد القبض عليه لم يقدم على ذلك لقوة مجاهد الدين ، فأظهر أنه مريض ، وانقطع عن الركوب عدة أيام ، فدخل إليه مجاهد الدين وحده ، وكان خصيا لا يمتنع من الدخول على النساء ، فلما دخل عليه قبض عليه ، وركب لوقته إلى القلعة ، فاحتوى على الأموال التي لمجاهد الدين وخزائنه ، وولى زلفندار قلعة الموصل بعد مجاهد الدين ، وجعل ابن صاحب الغراف أمير حاجب وحكمهما في دولته .

وكان تحت حكم مجاهد الدين حينئذ إربل وأعمالها ، ومعه فيها زين الدين يوسف بن زين الدين علي ، وهو صبي صغير ليس له من الحكم شيء والحكم والعسكر إلى مجاهد الدين ، وتحت حكمه أيضا جزيرة ابن عمر ، وهي لمعز الدين سنجر شاه بن سيف الدين غازي بن مودود وهو أيضا صبي ، والحكم والنواب والعسكر لمجاهد الدين ، وبيده أيضا شهرزور وأعمالها ، ونوابه فيها ، ودقوها ، ونائبه فيها ، وقلعة عقر الحميدية ، ونائبه فيها ، ولم يبق لعز الدين مسعود بعد أن أخذ صلاح الدين [ البلاد ] الجزرية سوى الموصل وقلعتها بيد مجاهد الدين ، وهو على الحقيقة الملك واسمه لعز الدين ، فلما قبض عليه امتنع صاحب إربل من طاعة عز الدين ، واستبد ، وكذلك أيضا صاحب جزيرة ابن عمر ، وأرسل الخليفة إلى دقوقا فحصرها وأخذها ، ولم يحصل لعز الدين مسعود غير شهرزور والعقر ، وصارت إربل والجزيرة أضر شيء على صاحب الموصل ، وأرسل صاحبها إلى صلاح الدين بالطاعة له ، والكون في خدمته .

وكان الخليفة الناصر لدين الله قد أرسل صدر الدين شيخ الشيوخ ، ومعه بشير الخادم الخاص ، إلى صلاح الدين في الصلح مع عز الدين ، صاحب الموصل ، وسير عز الدين معه القاضي محيي الدين أبا حامد بن الشهرزوري في المعنى ، فأجاب صلاح الدين إلى ذلك وقال : ليس لكم مع الجزيرة وإربل حديث ، فامتنع محيي الدين عن ذلك وقال : هما لنا ، فلم يجب صلاح الدين إلى الصلح إلا بأن تكون إربل والجزيرة معه ، فلم يتم أمره ، وقوي طمع صلاح الدين في الموصل بقبض مجاهد الدين ، فلما رأى صاحب الموصل الضرر بقبض مجاهد الدين قبض على شرف الدين [ ص: 477 ] أحمد بن صاحب الغراف وزلفندار ، عقوبة لهما ، ثم أخرج مجاهد الدين ، على ما نذكره إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية