الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) القسم أيضا بقوله ( أقسم أو أحلف أو أعزم أو أشهد ) بلفظ المضارع ، وكذا الماضي بالأولى كأقسمت وحلفت وعزمت وآليت وشهدت ( وإن لم يقل بالله ) إذا علقه بشرط ( وعلي نذر ) فإن نوى بلفظ النذر قربة لزمته وإلا لزمته الكفارة ، [ ص: 717 ] وسيتضح ( و ) علي ( يمين أو عهد وإن لم يضف ) إلى الله تعالى إذا علقه بشرط مجتبى

التالي السابق


( قوله أو أعزم ) معناه أوجب فكان إخبارا عن الإيجاب في الحال وهذا معنى اليمين ، وكذا لو قال عزمت لا أفعل كذا كان حالفا بحر عن البدائع ( قوله أو أشهد ) بفتح الهمزة والهاء ، وضم الهمزة وكسر الهاء خطأ مجتبى : أي خطأ في الدين لما يأتي من أنه يستغفر الله ولا كفارة لعدم العرف ( قوله بلفظ المضارع ) لأنه للحال حقيقة ، ويستعمل للاستقبال بقرينة كالسين وسوف فجعل حالفا للحال بلا نية هو الصحيح ، وتمامه في البحر ( قوله بالأولى ) لدلالته على التحقق لعدم احتمال الاستقبال ( قوله وآليت ) بمد الهمزة من الألية : وهي اليمين كما في البحر ( قوله إذا علقه بشرط ) يعني بمقسم عليه . قال في النهر : واعلم أنه وقع في النهاية وتبعه في الدراية أن مجرد قول القائل أقسم وأحلف يوجب الكفارة من غير ذكر محلوف عليه ولا حنث تمسكا بما في الذخيرة أن قوله علي يمين موجب للكفارة وأقسم ملحق به ، وهذا وهم بين إذ اليمين بذكر المقسم عليه . وما في الذخيرة معناه إذا وجد ذكر المقسم عليه ونقضت اليمين وتركه للعلم به يفصح عن ذلك قول محمد في الأصل : واليمين بالله تعالى أو أحلف أو أقسم إلى أن قال : وإذا حلف بشيء منها ليفعلن كذا فحنث وجبت عليه الكفارة . ا هـ .

قلت : وأصل الرد لصاحب غاية البيان ، وتبعه في الفتح والبحر أيضا وهو وجيه ، لكن هذا في غير علي نذر أو علي يمين كما يأتي قريبا ( قوله فإن نوى ) مقابله محذوف تقديره وإنما يكون يمينا إذا لم ينو به قربة ، فإن نوى [ ص: 717 ] إلخ . قال في كافي الحاكم : وإذا حلف بالنذر ، فإن نوى شيئا من حج أو عمرة أو غيره فعليه ما نوى ، وإن لم تكن له نية فعليه كفارة يمين ( قوله وسيتضح ) أي قبيل الباب الآتي ( قوله وإن لم يضف إلى الله تعالى ) وكذا إن أضيف بالأولى كأن قال علي نذر الله أو يمين الله أو عهد الله ( قوله إذا علقه بشرط ) أي بمحلوف عليه حتى يكون يمينا منعقدة مثل علي نذر الله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا ، فإذا لم يف بما حلف لزمته كفارة اليمين ، لكن في لفظ النذر إذا لم يسم شيئا بأن قال علي نذر الله فإنه وإن لم يكن يمينا تلزمه الكفارة فيكون هذا التزام الكفارة ابتداء بهذه العبارة كما في الفتح . وذكر في الفتح أيضا أن الحق أن علي يمين مثله إذا قاله على وجه الإنشاء لا الإخبار ولم يزد عليه فيوجب الكفارة لأنه من صيغ النذر ، ولو لم يكن كذلك لغا ، بخلاف أحلف وأشهد ونحوهما فإنها ليست من صيغ النذر فلا يثبت به الالتزام ابتداء . ا هـ .

وحاصله أن علي نذر يراد به نذر الكفارة ، وكذا علي يمين هو نذر للكفارة ابتداء بمعنى علي كفارة يمين لا حلف إلا بعد تعليقه بمحلوف عليه فيوجب الكفارة عند الحنث لا قبله : ورده في البحر بما في المجتبى : لو قال علي يمين يريد به الإيجاب لا كفارة عليه إذا لم يعلقه بشيء . ا هـ .

أقول : الذي في المجتبى بعد ما رمز بلفظ ط للمحيط ، ولو قال علي يمين أو يمين الله فيمين . ثم قال : أي صاحب الرمز المذكور علي يمين يريد به الإيجاب لا كفارة عليه إذا لم يعلقه بشيء ، وكذا إذا قال لله علي يمين هكذا . روي عن أبي يوسف . وعن أبي حنيفة علي يمين لا كفارة لها يريد به الإيجاب فعليه يمين لها كفارة ا هـ ما في المجتبي . وظاهر كلامه أن في المسألة اختلاف الرواية ، وإذا كان علي يمين من صيغ النذر ترجحت الرواية المروية عن أبي حنيفة فالرد على الفتح بالرواية المروية عن أبي يوسف غير صحيح . ثم رأيت في الحاوي ما نصه : لو قال علي نذر أو علي يمين ولم يعلقه فعليه كفارة يمين ا هـ فهذا صريح ما في الفتح فافهم .

[ تنبيه ] قدمنا أن اليمين تطلق على التعليق أيضا ، فلو علق طلاقا أو عتقا فهو يمين عند الفقهاء فصار لفظ اليمين مشتركا ، ولعلهم إنما صرفوه هنا إلى اليمين بالله تعالى لأنه هو الأصلي في المشروعية ولأنه هو المعنى اللغوي أيضا فينصرف عند الإطلاق إليه ، وينبغي أنه لو نوى به الطلاق أن تصح نيته لأنه نوى محتمل كلامه فيصير الطلاق معلقا على ما حلف وتقع به عند الحنث طلقة رجعية لا بائنة لأنه ليس من كنايات الطلاق ، خلافا لمن زعم أنه منها ، ولمن زعم أنه لا يلزمه إلا كفارة يمين كما حققناه في باب الكنايات ، لكن بقي لو قال أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا فأفتى العلامة الطوري بأنه إن حنث وكانت له زوجة تطلق وإلا لزمته كفارة واحدة . ورده السيد محمد أبو السعود وأفتى بأنه لا يلزمه شيء لأنه ليس من ألفاظ اليمين لا صريحا ولا كناية ، وأقره المحشي ولا يخفى ما فيه ، فإن أيمان جمع يمين واليمين عند الإطلاق ينصرف إلى الحلف بالله تعالى . وعند النية يصح إرادة الطلاق به كما علمت وفي الخانية : رجل حلف رجلا على طلاق وعتاق وهدي وصدقة ومشي إلى بيت الله تعالى وقال الحالف لرجل آخر عليك هذه الأيمان فقال نعم يلزمه المشي والصدقة لا الطلاق والعتاق ، لأنه فيهما بمنزلة من قال لله علي أن أعتق عبدي أو أطلق امرأتي فلا يجبر على الطلاق والعتاق ولكن ينبغي له أن يعتق ، وإن قال الحالف لرجل آخر هذه الأيمان لازمة لك فقال نعم يلزمه الطلاق والعتاق أيضا ا هـ أي لأن قوله نعم بمنزلة قوله هذه الأيمان لازمة لي فصار بمنزلة إنشائه الحلف بها فتلزمه كلها حتى الطلاق والعتاق ، ومقتضى هذا أن يلزمه كل ذلك في قوله أيمان المسلمين تلزمني خصوصا الهدي والمشي إلى بيت الله لأنها خاصة بالمسلمين ، وكذا الطلاق والعتق والصدقة ، فالقول بعد لزوم شيء أو بلزوم الطلاق فقط [ ص: 718 ] غير ظاهر إلا أن يفرق بأن هذه الأيمان مذكورة صريحا في فرع الخانية ، بخلافها في فرعنا المذكور لكنه بعيد ، فإن لفظ أيمان جمع يمين ومع الإضافة إلى المسلمين زادت في الشمول . فينبغي لزوم أنواع الأيمان التي يحلف بها المسلمون لا خصوص الطلاق ولا خصوص اليمين بالله تعالى ، هذا ما ظهر لي ، والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية