الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 270 ] 34519 - قال مالك في مكاتب بين رجلين ، فأنظره أحدهما بحقه الذي عليه ، وأبى الآخر أن ينظره ، فاقتضى الذي أبى أن ينظره بعض حقه ، ثم مات المكاتب وترك مالا ليس فيه وفاء من كتابته . قال مالك ، يتحاصان بقدر ما بقي لهما عليه ، يأخذ كل واحد منهما بقدر حصته ، فإن ترك المكاتب فضلا عن كتابته أخذ كل واحد منهما ما بقي من الكتابة ، وكان ما بقي بينهما بالسواء ، فإن عجز المكاتب ، وقد اقتضى الذي لم ينظره أكثر مما اقتضى صاحبه ، كان العبد بينهما نصفين ، ولا يرد على صاحبه فضل ما اقتضى ; لأنه إنما اقتضى الذي له بإذن صاحبه ، وإن وضع عنه أحدهما الذي له ، ثم اقتضى صاحبه بعض الذي له عليه ، ثم عجز ، فهو بينهما ، ولا يرد الذي اقتضى على صاحبه شيئا ; لأنه إنما اقتضى الذي له عليه ، وذلك بمنزلة الدين للرجلين بكتاب واحد على رجل واحد فينظره أحدهما ، ويشح الآخر فيقتضي بعض حقه ، ثم يفلس الغريم ، فليس على الذي اقتضى أن يرد شيئا مما أخذ .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        34520 - قال الشافعي : لو أذن أحدهما لشريكه أن يقبض نصيبه ، فقبضه ثم عجز ففيها قولان : 34521 - ( أحدهما ) : يعتق نصيبه ، ولا يرجع عليه شريكه ، ويقوم عليه [ ص: 271 ] الباقي ، إن كان موسرا ، وإن كان معسرا ، فجميع ما في يده للذي يبقى له فيه الرق ; لأنه يأخذه بما بقي له من الكتابة ، فإن كان فيه وفاء ، عتق ، وإلا عجز بالباقي ، وإن مات بعد العجز ، فما في يديه بينهما نصفان يرث أحدهما بقدر الحرية ، والآخر بقدر العبودية .

                                                                                                                        34522 - ( والقول الثاني ) : لا يعتق ، ويكون لشريكه أن يرجع عليه ، فيشركه فيما قبض ; لأنه أذن له وهو لا يملكه .

                                                                                                                        34523 - قال المزني : هذا أشبه بقوله إذا : ( ( المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) ) ، وما في يديه موقوف ما بقي عليه درهم ، فليس معناه فيما أذن له بقبضه ، إلا بمعنى استبقي بقبض النصف حتى استوفى مثله ، فليس يستحق بالسبق ما ليس له .

                                                                                                                        34524 - وروى الربيع ، عن الشافعي ، في هذه المسألة ، قال : فإذا كان المكاتب بين اثنين ; فأذن أحدهما لصاحبه بأن يقبض فقبضه منه ، ثم عجز المكاتب بأولها فسواء ولهما ما في يديه من المال نصفين إن لم يكن استوفى المأذون له جميع حقه من المكاتبة ; فلو كان المأذون له استوفى جميع حقه من الكتابة ، ففيها قولان ; فمن قال : يجوز ذلك ما قبض ، ولا يكون لشريكه أن يرجع ، فلشريكه قبضين ، شريكه منه حر ، يقوم عليه إن كان موسرا ، وإن كان معسرا فنصيبه حر فإن عجز ، فجميع ما في يديه للذي بقي له فيه الرق ، وإنما جعلت ذلك له ; لأنه يأخذ له بما يبقى له في الكتابة إن كان له فيه وفاء ، عتق به ، وإن لم يكن له فيه وفاء ، أخذه بما بقي له في الكتابة ، وعجزه بالباقي ، وإن مات فالمال بينهما نصفان ; يرثه بقدر الحرية [ ص: 272 ] التي فيه ويأخذ هذا ماله بقدر العبودية .

                                                                                                                        34525 - والقول الثاني : لا يعتق ويكون لشريكه أن يرجع عليه فيشركه فيما أذن له به ، وهو لا يملكه ، وإذنه له بالقبض وغير إذنه سواء ; فإن قبضه ، لم يتركه له ، فإنما هي هبة وهبها له ، يجوز إذا قبضها .

                                                                                                                        34526 - قال عبد الله بن محمد القزويني : إنما جعل الشافعي للذي بقي له فيه الرق أن يستأذن منه الكتابة ، فإن عجز كان ما في يديه من المال له ، يأخذه بما بقي من الكتابة عليه ، وليس لهذا الذي قد عتق نفسه أن يقول بالعجز لي نصف ما في يدك ; لأن نصفي حر ، ولكن يأخذه سيده الذي له فيه الرق بحقه من الكتابة ، فإن كان فيه وفاء عتق ، وإلا كان التعجيز بعد ذلك .

                                                                                                                        34527 - وذكر البخاري ، عن أبي حنيفة وأصحابه قال : وإن كانت المكاتبة وقعت من الذي كاتب بإذن شريكه في ذلك ، وفي قبض المكاتبة ، لم يكن لشريك الذي لم يكاتب أن يرجع على الذي كاتب بشيء ما يقبضه من المكاتبة ، إذا قبض المكاتب جميع الكتابة ، عتق المكاتب ، وهو حكمه كحكم عبد بين رجلين أعتقه أحدهما .




                                                                                                                        الخدمات العلمية