الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ( 41 ) إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ( 42 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه : ( واذكر ) يا محمد في كتاب الله ( إبراهيم ) خليل الرحمن ، فاقصص على هؤلاء المشركين قصصه وقصص أبيه ، ( إنه كان صديقا ) يقول : كان من أهل الصدق في حديثه وأخباره ومواعيده لا يكذب ، والصديق هو الفعيل من الصدق .

وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ( نبيا ) يقول : كان الله قد نبأه وأوحى إليه .

وقوله ( إذ قال لأبيه ) يقول : اذكره حين قال لأبيه ( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ) [ ص: 203 ] يقول : ما تصنع بعبادة الوثن الذي لا يسمع ( ولا يبصر ) شيئا ( ولا يغني عنك شيئا ) يقول : ولا يدفع عنك ضر شيء ، إنما هو صورة مصورة لا تضر ولا تنفع ، يقول ما تصنع بعبادة ما هذه صفته؟ اعبد الذي إذا دعوته سمع دعاءك ، وإذا أحيط بك أبصرك فنصرك ، وإذا نزل بك ضر دفع عنك .

واختلف أهل العربية في وجه دخول الهاء في قوله ( يا أبت ) فكان بعض نحويي أهل البصرة يقول : إذا وقفت عليها قلت : يا أبه ، وهي هاء زيدت نحو قولك : يا أمه ، ثم يقال : يا أم إذا وصل ، ولكنه لما كان الأب على حرفين ، كان كأنه قد أخل به ، فصارت الهاء لازمة ، وصارت الياء كأنها بعدها ، فلذلك قالوا : يا أبة أقبل ، وجعل التاء للتأنيث ، ويجوز الترخيم من أيا أب أقبل ، لأنه يجوز أن تدعو ما تضيفه إلى نفسك في المعنى مضموما ، نحو قول العرب : يا رب اغفر لي ، وتقف في القرآن : يا أبة في الكتاب .

وقد يقف بعض العرب على الهاء بالتاء . وقال بعض نحويي الكوفة : الهاء مع أبة وأمة هاء وقف ، كثرت في كلامهم حتى صارت كهاء التأنيث ، وأدخلوا عليها الإضافة ، فمن طلب الإضافة ، فهي بالتاء لا غير ، لأنك تطلب بعدها الياء ، ولا تكون الهاء حينئذ إلا تاء ، كقولك : يا أبت لا غير ، ومن قال : يا أبه ، فهو الذي يقف بالهاء ، لأنه لا يطلب بعدها ياء; ومن قال : يا أبتا ، فإنه يقف عليها بالتاء ، ويجوز بالهاء; فأما بالتاء ، فلطلب ألف الندبة ، فصارت الهاء تاء لذلك ، والوقف بالهاء بعيد ، إلا فيمن قال : "يا أميمة ناصب

" فجعل هذه الفتحة من فتحة الترخيم ، وكأن هذا طرف الاسم ، قال : وهذا بعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية