الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم بين تعالى صفة هؤلاء الكافرين الذين توعدهم بالويل الذي يفيد أعظم العذاب وذكر من صفاتهم ثلاثة أنواع :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قوله : ( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : إن شئت جعلت "الذين" صفة الكافرين في الآية المتقدمة ، وإن شئت جعلته مبتدأ وجعلت الخبر قوله : ( أولئك ) وإن شئت نصبته على الذم.

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : الاستحباب طلب محبة الشيء ، وأقول : إن الإنسان قد يحب الشيء ولكنه لا يحب كونه محبا لذلك الشيء ، مثل من يميل طبعه إلى الفسق والفجور ، ولكنه يكره كونه محبا لهما ، أما إذا أحب الشيء وطلب كونه محبا له ، وأحب تلك المحبة ، فهذا هو نهاية المحبة ، فقوله : ( الذين يستحبون الحياة الدنيا ) يدل على كونهم في نهاية المحبة للحياة الدنيوية ، ولا يكون الإنسان كذلك إلا إذا كان غافلا عن الحياة الأخروية ، وعن معايب هذه الحياة العاجلة ، ومن كان كذلك كان في نهاية الصفات المذمومة ، وذلك لأن هذه الحياة موصوفة بأنواع كثيرة من العيوب :

                                                                                                                                                                                                                                            فأحدها : أن بسبب هذه الحياة انفتحت أبواب الآلام والأسقام [ ص: 62 ] والغموم والهموم والمخاوف والأحزان.

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن هذه اللذات في الحقيقة لا حاصل لها إلا دفع الآلام ، بخلاف اللذات الروحانية ، فإنها في أنفسها لذات وسعادات.

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن سعادات هذه الحياة منغصة بسبب الانقطاع والانقراض والانقضاء.

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أنها حقيرة قليلة ، وبالجملة فلا يحب هذه الحياة إلا من كان غافلا عن معايبها وكان غافلا عن فضائل الحياة الروحانية الأخروية ، ولذلك قال تعالى : ( والآخرة خير وأبقى ) [الأعلى : 17] فهذه الكلمة جامعة لكل ما ذكرناه.

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية