الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
157 - " أتموا الوضوء؛ ويل للأعقاب من النار " ؛(هـ) عن خالد بن الوليد ؛ ويزيد بن أبي سفيان ؛ وشرحبيل بن حسنة؛ وعمرو بن العاص ؛ (صح).

التالي السابق


(أتموا) ؛ هو بمعنى قوله في الرواية الأخرى: " أسبغوا" ؛ (الوضوء) ؛ أي: عمموا به جميع الأعضاء؛ وائتوا به على التمام بفرائضه وسننه؛ من إطالة غرة؛ وتحجيل؛ وتثليث؛ وتكرار غسل؛ ومسح؛ وقد روى أبو يعلى عن أبي هريرة : جاء رجل إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما إسباغ الوضوء؟ فسكت؛ حتى حضرت الصلاة؛ فدعا بماء؛ فغسل يديه؛ ثم استنثر؛ [ومضمض وغسل وجهه ثلاثا، ويديه ثلاثا ثلاثا، ومسح برأسه، وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا، ثم نضح تحت ثوبه، فقال: " هكذا إسباغ الوضوء" ؛] (ويل) ؛ سوغ الابتداء به؛ وهو نكرة؛ كونه في معنى الدعاء؛ (للأعقاب من النار) ؛ أي: شدة هلكة؛ من نار الآخرة؛ لأصحابها المهملين غسل بعضها في الوضوء؛ ويحتمل أن يخص العقب نفسه بعذاب؛ يعذب به صاحبه؛ قال ابن دقيق العيد: و" ال" ؛ للعهد؛ والمراد: الأعقاب التي رآها تلوح لم يمسها الماء؛ والمراد الأعقاب التي صفتها ألا تعمم بالمطهر؛ ولا يجوز كون " ال" ؛ للعموم المطلق؛ و" من" ؛ بمعنى " في" ؛ كما في: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ؛ أو بيانية؛ كما في: فاجتنبوا الرجس من الأوثان ؛ قال الحراني : و" الويل" : جماع الشر كله؛ وفي الكشاف: " الويل" : نقيض " الوأل" ؛ وهو النجاة؛ اسم معنى؛ كالهلاك؛ إلا أنه لا يشتق منه [ ص: 147 ] فعل؛ وإنما يقال: " ويلا له" ؛ فينصب نصب المصدر؛ ثم يرفع رفعه؛ لإفادة معنى الثبات؛ فيقال: " ويل له" ؛ كقولك: " سلام عليك" ؛ انتهى؛ وفيه أن فرض الرجلين الغسل؛ وأنه لا يجزئ فيهما المسح؛ وبه قال جمهور السلف؛ والخلف؛ وقال الشيعة: الواجب مسحهما؛ وابن جرير والجبائي يخير بين المسح؛ والغسل؛ وبعض أهل الظاهر: يجب الجمع بينهما؛ وبه نوزع قول النووي: إنه لم يثبت المسح عند أحد يعتد به في الإجماع؛ وممن روي عنه المسح؛ كما في مصنف ابن أبي شيبة وغيره: عكرمة والحسن والشعبي ؛ بل وأنس ؛ وغيره من الصحابة؛ وفيه أيضا وجوب تعميم الأعضاء بالطهر؛ وأن ترك بعضها غير مجزئ؛ وإنما خص الأعقاب لأنه ورد على سبب؛ وهو أنه رأى قوما يصلون وأعقابهم تلوح؛ وقيل: إنما خصها لغلبة التساهل فيها؛ والتهاون بها؛ لأنها في أواخر الوضوء؛ وأسافل البدن؛ وفي محل لا يشاهد غالبا؛ فكان الاهتمام بها أحق من غيرها؛ وفيه الاهتمام بالأمر بالمعروف؛ والنهي عن المنكر؛ قال الدميري: وفيه حجة لأهل السنة أن المعذب الجسد الدنيوي؛ لأنه أثبت الوعيد لتلك الأعقاب المرئية؛ وفيه دلالة للتعذيب على الصغائر؛ لأن ترك بعض العضو غير مغسول؛ ليس من الكبائر؛ للاختلاف في فرض الرجلين؛ إذ ابن جرير يقول بالتخيير بينه وبين المسح؛ والمسح لا يستوعب العضو؛ وما في مقام الاجتهاد لا يصل إلى رتبة الكبائر؛ انتهى؛ وهو في حيز المنع؛ فإن كون الشيء كبيرة ليس مناطه أن يكون مجمعا عليه؛ بل أن يكون فيه وعيد شديد؛ أو حد؛ أو يؤذن بقلة اكتراث مرتكبه بالدين؛ كما سيجيء؛ وقد عدوا من الكبائر ما فيه خلاف حتى بين الأئمة الأربعة؛ الذين لا يجوز الآن تقليد غيرهم؛ ألا ترى أن الشافعية جزموا بأن شرب النبيذ كبيرة؟! (تنبيه) : قال القيصري: الوضوء تطهير أطراف الجسد من كل ناحية؛ وفي ذلك تطهير جميعه من الحدث الخارج عنه؛ فإنه إذا قدرته بيديه ورجليه ورأسه؛ كان كالدائرة المحيطة؛ وفي تطهير خارج الدائرة من كل ناحية تطهير جميعها؛ فلو ألقيت ضابطا في وسط بطن الإنسان؛ بعد مد يديه ورجليه وعنقه؛ ثم أردت الضابط؛ وجدته دائرة؛ ومن هذه الجوارح المحيطة تدخل الذنوب والمخالفات إلى البدن؛ ففي تطهيرها إخراج المخالفات منه.

(هـ؛ عن خالد بن الوليد ) ؛ القرشي المخزومي المشهور بالشجاعة والديانة والرئاسة؛ سماه المصطفى " سيف الله" ؛ وله آثار كثيرة في إعلاء كلمة الله؛ وهو الذي افتتح دمشق؛ وكان إسلامه قبل غزوة " مؤتة" ؛ بشهرين؛ وكان النصر على يديه يومها؛ (وشرحبيل بن حسنة) ؛ هي علم أمه؛ واسم أبيه: عبد الله بن المطاح الكندي ؛ وقيل: التميمي؛ حليف بني زهرة؛ أحد أمراء أجناد الشام؛ وولاه عمر دمشق؛ حتى مات بها في الطاعون؛ ( ويزيد بن أبي سفيان ) ؛ ابن حرب؛ الأمير؛ ( وعمرو بن العاص ) ؛ كلهم سمعوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال مغلطاي: حديث قال فيه الترمذي عن البخاري : هو حسن؛ انتهى؛ ومن ثم رمز المصنف لحسنه؛ وفي نسخ لصحته.



الخدمات العلمية