الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 509 ] قال : ( وسجد على أنفه وجبهته ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام واظب عليه .

                                                                                                        [ ص: 510 ] ( فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وقالا : لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر ) وهو رواية عنه ، لقوله عليه الصلاة والسلام " { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم }" وعد منها الجبهة ، [ ص: 511 ] ولأبي حنيفة رحمه الله تعالىأن السجود يتحقق بوضع بعض الوجه ، وهو المأمور به ، إلا أن الخد والذقن خارج بالإجماع ، والمذكور فيما روي الوجه في المشهور ، ووضع اليدين والركبتين سنة عندنا ، لتحقق السجود بدونهما ، وأما وضع القدمين فقد ذكر القدوري رحمه الله تعالىأنه فريضة في السجود .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السادس والعشرون : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه واظب على السجود على الجبهة والأنف } ، قلت : روى البخاري في " صحيحه " من حديث فليح عن عباس بن سهل عن أبي حميد ، قال : { ثم سجد ، فأمكن أنفه وجبهته من الأرض ، ونحى يديه عن جنبيه ، ووضع كفيه حذو منكبيه } ، مختصر ، ورواه أبو داود . والترمذي . والنسائي ، ولفظهما : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد مكن أنفه وجبهته ، ونحى يديه عن جنبيه ، ووضع كفيه حذو منكبيه }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح . أحاديث الباب : روى أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ، والطبراني في " معجمه " من حديث الحجاج عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع أنفه على الأرض مع جبهته }انتهى . [ ص: 510 ]

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه الدارقطني عن أبي قتيبة ثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين }" انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : قال لنا أبو بكر : لم يسنده عن سفيان . وشعبة إلا أبو قتيبة ، والصواب عن عاصم عن عكرمة مرسل ، انتهى .

                                                                                                        قال ابن الجوزي في " التحقيق " . أبو قتيبة ثقة ، أخرج عنه البخاري ، والرفع زيادة ، وهي من الثقة مقبولة انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن الضحاك بن حمرة عن منصور بن زاذان عن عاصم البجلي عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { من لم يلصق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته }" انتهى .

                                                                                                        وأعله بالضحاك بن حمرة ، أسند إلى النسائي : ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس بشيء انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه الدارقطني عن ناشب بن عمرو الشيباني ثنا مقاتل بن حيان عن عروة عن عائشة ، قالت : { أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أهله تصلي ، ولا تضع أنفها بالأرض ، فقال : يا هذه ضعي أنفك بالأرض ، فإنه لا صلاة لمن لا يضع أنفه بالأرض مع جبهته في الصلاة }" انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : وناشب ضعيف ، ولا يصح مقاتل عن عروة انتهى . ليس من أحاديث الباب إلا الأول الحديث السابع والعشرون : قال النبي صلى الله عليه وسلم " { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : [ ص: 511 ] وعد منها الجبهة }" ، قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن طاوس عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة . واليدين . والركبتين . وأطراف القدمين }" انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لهم : { أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ، فذكرها } ، قال في الكتاب : والمذكور فيما روي الوجه في المشهور ، قلت : روى أصحاب السنن الأربعة من حديث العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " { إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب : وجهه ، وكفاه ، وركبتاه ، وقدماه }" انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " . والحاكم في " المستدرك " وسكت عنه ، ورواه البزار في " مسنده " بلفظ : { أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب }.

                                                                                                        قال البزار : وقد روى هذا الحديث سعد ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وغيرهم ، لا نعلم أحدا قال : آراب ، إلا العباس انتهى . قلت : قالها ابن عباس أيضا ، كما أخرجه أبو داود في " سننه " عنه مرفوعا : أمرت أن أسجد ، وربما قال : أمر نبيكم أن يسجد على سبعة آراب انتهى .

                                                                                                        وقالها سعد أيضا ، كما رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " والطحاوي في " شرح الآثار " من حديث عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب }" ، فذكرها بلفظ السنن ، وزاد : أيها لم يضعه فقد انتقص انتهى . وأخطأ المنذري إذ عزا في " مختصره " هذا الحديث للبخاري . ومسلم ، إذ ليس فيهما لفظة : الآراب أصلا . [ ص: 512 ] واعلم أن حديث العباس : " { إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب }" عزاه جماعة إلى مسلم : منهم أصحاب " الأطراف " ، والحميدي في " الجمع بين الصحيحين " ، والبيهقي في " سننه " ، وابن الجوزي في " جامع المسانيد وفي التحقيق " ، ولم يذكره عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " ، ولم يذكر القاضي عياض لفظة " الآراب " في " مشارق الأنوار " الذي وضعه على ألفاظ البخاري . ومسلم ، والموطأ ، فأنكره في " شرح مسلم " فقال : قال المازري : قوله عليه السلام : " { سجد معه سبعة آراب }" ، قال الهروي : " الآراب " الأعضاء ، واحدها : أرب ، قال القاضي عياض : وهذه اللفظة لم تقع عند شيوخنا في مسلم ، ولا هي في النسخ التي رأينا ، والتي في " كتاب مسلم " سبعة أعظم ، انتهى .

                                                                                                        والذي يظهر والله أعلم أن أحدهم سبق بالوهم ، فتبعه الباقون ، وهو محل اشتباه ، فإن العباس يشتبه بابن عباس ، " { وسبعة آراب }" قريب من " { سبعة أعظم }" .




                                                                                                        الخدمات العلمية