الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) أن يجري فيه التداخل ، حتى إنه لو سرق سرقات فرفع فيها كلها فقطع ، أو رفع في بعضها فقطع فيما رفع فالقطع للسرقات كلها ، ولا يقطع في شيء منها بعد ذلك ; لأن أسباب الحدود إذا اجتمعت - وأنها من جنس واحد - يكتفى فيها بحد واحد كما في الزنا ، وهذا ; لأن المقصود من إقامة الحد هو الزجر ، والردع ، وذلك يحصل بإقامة الحد الواحد ، فكان في إقامة الثاني .

                                                                                                                                والثالث شبهة عدم الفائدة فلا يقام ; ولهذا يكتفى في باب الزنا بالإقامة لأول حد كذا هذا ، ولأن محل الإقامة قد فات ، إذ محلها اليد اليمنى ; لأن كل سرقة وجدت ما أوجبت إلا قطع اليد اليمنى ، فإذا قطعت في واحدة منها فقد فات محل الإقامة ، وصار كما لو ذهبت اليد اليمنى بآفة سماوية .

                                                                                                                                وأما حكم الضمان فلا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم في أنه إذا حضر أصحاب السرقات ، وخاصموا فيها فقطع بمخاصمتهم أنه لا ضمان على السارق في السرقات كلها ; لأن مخاصمة المسروق منه بالقطع بمنزلة الإبراء عن الضمان عندنا ، فإذا خاصموا جميعا فكأنهم أبرءوا .

                                                                                                                                وأما إذا خاصم واحد في سرقة فقطع فلا ضمان على السارق فيما خوصم بإجماع بين أصحابنا [ ص: 86 ] رضي الله عنهم .

                                                                                                                                وأما فيما لم يخاصم فيه فقد اختلفوا ، قال أبو حنيفة - رحمه الله - : " لا ضمان عليه في شيء من السرقات خاصموا ، أو لم يخاصموا " ، وقال أبو يوسف ، ومحمد - رحمهما الله - : " يضمن في السرقات كلها إلا فيما خوصم " .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما : أن المسروق منه مخير بين أن يدعي المال ليستوفي حقه ، وهو الضمان ، وبين أن يدعي السرقة ليستوفي في حق الله - سبحانه وتعالى - وهو القطع ، ولا ضمان له ، فكان سقوط الضمان مبنيا على دعوى السرقة والخصومة فيها ، فمن خاصم منهم فقد وجد منه ما يوجب سقوط الضمان ، ومن لم يخاصم ; لم يوجد منه المسقط فيبقى حقه في الضمان كما كان .

                                                                                                                                ولأبي حنيفة - رحمه الله - : أن النافي للضمان هو القطع ، والقطع وقع للسرقات كلها فينفي الضمان في السرقات كلها ، هذا إذا كان المسروق هالكا ، أما إذا كان قائما رد كل مسروق إلى صاحبه ; لأن القطع ينفي الضمان لا الرد ومنها أنه لا يحتمل العفو حتى لو أمر الإمام بقطع السارق فعفا عنه المسروق منه كان عفوه باطلا ; لأن صحة العفو يعتمد كون المعفو عنه حقا للعافي ، والقطع خالص حق الله - سبحانه وتعالى - لا حق للعبد فيه فلا يصح عفوه ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية