الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الثالث : التأكيد الصناعي وهو أربعة أقسام :

أحدها : التوكيد المعنوي بكل وأجمع وكلا وكلتا ، نحو : فسجد الملائكة كلهم أجمعون [ الحجر : 30 ] . وفائدته : رفع توهم المجاز وعدم الشمول .

وادعى الفراء أن ( كلهم ) أفادت ذلك ، و ( أجمعون ) أفادت اجتماعهم على السجود ، وأنهم لم يسجدوا متفرقين .

ثانيها : التأكيد اللفظي ؛ وهو تكرار اللفظ الأول .

إما بمرادفه ، نحو : ضيقا حرجا [ الأنعام : 125 ] بكسر الراء ، و : وغرابيب سود [ فاطر : 27 ] ، وجعل منه الصفار : فيما إن مكناكم فيه [ الأحقاف : 26 ] على القول بأن كليهما للنفي وجعل منه غيره : قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [ الحديد : 13 ] ، ف ( وراء ) هنا ليس ظرفا ؛ لأن اللفظ ( ارجعوا ) ينبئ عنه ، بل هو اسم فعل بمعنى ارجعوا ، فكأنه قال : ارجعوا ، ارجعوا .

وإما بلفظه : ويكون في الاسم والفعل والحرف والجملة : فالاسم ، نحو : قوارير قوارير [ الإنسان : 15 ، 16 ] ، دكا دكا [ الفجر : 21 ] .

والفعل : فمهل الكافرين أمهلهم [ الطارق : 17 ] .

واسم الفعل : نحو : هيهات هيهات لما توعدون [ المؤمنون : 36 ] .

والحرف : نحو : ففي الجنة خالدين فيها [ هود : 108 ] ، أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم [ المؤمنون : 35 ] .

والجملة : نحو : فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا [ الشرح : 5 ، 6 ] ، والأحسن اقتران الثانية بثم ، نحو : وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين [ الانفطار : 17 ، 18 ] ، كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون [ التكاثر : 3 ، 4 ] .

[ ص: 106 ] ومن هذا النوع تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل ، نحو : اسكن أنت وزوجك الجنة [ البقرة : 35 ] ، فاذهب أنت وربك [ المائدة : 24 ] ، وإما أن نكون نحن الملقين [ الأعراف : 115 ] .

ومنه تأكيد المنفصل بمثله : وهم بالآخرة هم كافرون [ يوسف : 37 ] .

ثالثها : تأكيد الفعل بمصدره ، وهو عوض من تكرار الفعل مرتين .

وفائدته : رفع توهم المجاز في الفعل بخلاف التوكيد السابق فإنه لرفع توهم المجاز في المسند إليه . كذا فرق به ابن عصفور وغيره ، ومن ثم رد بعض أهل السنة على بعض المعتزلة في دعواه نفي التكليم حقيقة بقوله : وكلم الله موسى تكليما [ النساء : 164 ] ؛ لأن التوكيد رفع المجاز في الفعل .

ومن أمثلته : ويسلموا تسليما [ الأحزاب : 65 ] ، تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا [ الطور : 9 ، 10 ] ، جزاؤكم جزاء موفورا [ الإسراء : 63 ] ، وليس منه وتظنون بالله الظنون [ الأحزاب : 10 ] ، بل هو جمع ( ظن ) لاختلاف أنواعه ، وأما إلا أن يشاء ربي شيئا [ الأنعام : 80 ] ، فيحتمل أن يكون منه ، وأن يكون الشيء بمعنى الأمر والشأن .

والأصل في هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد ، نحو : اذكروا الله ذكرا كثيرا [ الأحزاب : 41 ] ، وسرحوهن سراحا جميلا [ الأحزاب : 49 ] ، وقد يضاف وصفه إليه ، نحو : اتقوا الله حق تقاته [ آل عمران : 102 ] ، وقد يؤكد بمصدر فعل آخر أو اسم عين نيابة عن المصدر ، نحو : وتبتل إليه تبتيلا [ المزمل : 8 ] ، والمصدر تبتلا ، والتبتيل مصدر بتل . أنبتكم من الأرض نباتا [ نوح : 17 ] ؛ أي : إنباتا ؛ إذ النبات اسم عين .

رابعها : الحال المؤكدة ، نحو : ويوم أبعث حيا [ مريم : 33 ] ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين [ البقرة : 60 ] ، وأرسلناك للناس رسولا [ النساء : 79 ] ، ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون [ البقرة : 83 ] ، وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد [ ق : 31 ] .

وليس منه : ولى مدبرا [ النمل : 10 ] ؛ لأن التولية قد لا تكون إدبارا بدليل قوله : [ ص: 107 ] فول وجهك شطر المسجد الحرام [ البقرة : 144 ] ، ولا : فتبسم ضاحكا [ النمل : 19 ] ؛ لأن التبسم قد لا يكون ضحكا ، ولا : وهو الحق مصدقا [ البقرة : 91 ] ، لاختلاف المعنيين ؛ إذ كونه حقا في نفسه غير كونه مصدقا لما قبله .

التالي السابق


الخدمات العلمية