الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ( 11 ) يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ( 12 ) وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ( 13 ) وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا ( 14 ) ) .

[ ص: 166 ] قوله تعالى : ( أن سبحوا ) : يجوز أن تكون مصدرية ، وأن تكون بمعنى أي . و ( بقوة ) : مفعول ، أو حال . ( وحنانا ) : معطوف على " الحكم " أي وهبنا له تحننا . وقيل : هو مصدر . و ( برا ) أي وجعلناه برا . وقيل : هو معطوف على خبر كان .

قال تعالى : ( واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ( 16 ) فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ( 17 ) ) .

قوله تعالى : ( إذ انتبذت ) : في " إذ " أربعة أوجه ; أحدها : أنها ظرف ، والعامل فيه محذوف ، تقديره : واذكر خبر مريم إذ انتبذت . والثاني : أن تكون حالا من المضاف المحذوف . والثالث : أن يكون منصوبا بفعل محذوف ; أي وبين إذ انتبذت ; فهو على كلام آخر ، كما قال سيبويه في قوله تعالى : ( انتهوا خيرا لكم ) [ النساء : 171 ] وهو في الظرف أقوى ، وإن كان مفعولا به . والرابع : أن يكون بدلا من مريم بدل الاشتمال ; لأن الأحيان تشتمل على الجثث ، ذكره الزمخشري ; وهو بعيد ; لأن الزمان إذا لم يكن حالا من الجثة ، ولا خبرا عنها ، ولا وصفا لها ، لم يكن بدلا منها .

وقيل : " إذ " بمعنى أن المصدرية ; كقولك : لا أكرمك إذ لم تكرمني ; أي لأنك لم تكرمني ; فعلى هذا يصح بدل الاشتمال ; أي واذكر مريم انتباذها .

و ( مكانا ) : ظرف . وقيل : مفعول به على المعنى : إذ أتت مكانا . ( بشرا سويا ) : حال .

قال تعالى : ( قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ( 19 ) ) .

قوله تعالى : ( لأهب ) : يقرأ بالهمز ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن الفاعل الله تعالى ، والتقدير : قال لأهب لك .

والثاني : الفاعل جبريل عليه السلام ، وأضاف الفعل إليه ; لأنه سبب فيه .

ويقرأ بالياء ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن أصلها الهمزة قلبت ياء للكسر قبلها تخفيفا .

والثاني : ليهب الله .

[ ص: 167 ] قال تعالى : ( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ( ) 20 ) .

قوله تعالى : ( بغيا ) : لام الكلمة ياء ، يقال : بغت تبغي ، وفي وزنه وجهان :

أحدهما : هو فعول ، فلما اجتمعت الواو والياء قلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الغين إتباعا ، ولذلك لم تلحق تاء التأنيث ، كما لم تلحق في امرأة صبور ، وشكور .

والثاني : هو فعيل بمعنى فاعل ، ولم تلحق التاء أيضا للمبالغة . وقيل : لم تلحق لأنه على النسب ، مثل طالق وحائض .

قال تعالى : ( قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ( 21 ) ) .

قوله تعالى : ( كذلك ) : أي الأمر كذلك .

وقيل : التقدير : قال ربك مثل ذلك . و " هو علي هين " : مستأنف على هذا القول .

( ولنجعله آية للناس ) : أي ولنجعله آية للناس خلقناه من غير أب .

وقيل : التقدير : نهبه لك ولنجعله .

و ( كان أمرا ) : أي وكان خلقه أمرا .

قال تعالى : ( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( فانتبذت به ) : الجار والمجرور حال ; أي فانتبذت وهو معها .

قال تعالى : ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ( 23 ) ) .

قوله تعالى : ( فأجاءها المخاض ) : الأصل جاءها ، ثم عدي بالهمزة إلى مفعول ثان ، واستعمل بمعنى ألجأها .

ويقرأ بغير همز على فاعلها ، وهو من المفاجأة ، وترك الهمزة الأخيرة تخفيفا . والمخاض - بالفتح : وجع الولادة .

ويقرأ بالكسر ، وهما لغتان .

وقيل : الفتح اسم للمصدر مثل السلام والعطاء ، والكسر مصدر مثل القتال ، وجاء على فعال : الطراق والعقاب .

[ ص: 168 ] قوله تعالى : ( ياليتني ) : قد ذكر في النساء .

( نسيا ) : بالكسر ، وهو بمعنى المنسي . وبالفتح ; أي شيئا حقيرا ، وهو قريب من معنى الأول .

ويقرأ بفتح النون وهمزة بعد السين ; وهو من نسأت اللبن ، إذا خلطت به ماء كثيرا ; وهو في معنى الأول أيضا .

و ( منسيا ) - بالفتح ; والكسر على الإتباع شاذ مثل المعيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية