الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3933 ) مسألة ; قال : ( ومن غصب أرضا ، فغرسها ، أخذ بقلع غرسه وأجرتها إلى وقت تسليمها ، ومقدار نقصانها ، إن كان نقصها الغرس ) . الكلام في هذه المسألة في فصول : ( 3934 ) أحدها ، أنه يتصور غصب العقار من الأراضي والدور ، ويجب ضمانها على غاصبها . هذا ظاهر مذهب أحمد وهو المنصوص عن أصحابه ، وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن .

                                                                                                                                            وروى ابن منصور ، [ ص: 141 ] عن أحمد في من غصب أرضا فزرعها ، ثم أصابها غرق من الغاصب ، غرم قيمة الأرض ، وإن كان شيئا من السماء ، لم يكن عليه شيء . وظاهر هذا أنها لا تضمن بالغصب . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يتصور غصبها ، ولا تضمن بالغصب ، وإن أتلفها ، ضمنها بالإتلاف ; لأنه لا يوجد فيها النقل والتحويل ، فلم يضمنها ، كما لو حال بينه وبين متاعه ، فتلف المتاع ; لأن الغصب إثبات اليد على المال عدوانا على وجه تزول به يد المالك ، ولا يمكن ذلك في العقار .

                                                                                                                                            ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من ظلم قيد شبر من الأرض ، طوقه يوم القيامة من سبع أرضين } . رواه البخاري عن عائشة . وفي لفظ : { من غصب شبرا من الأرض } . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يغصب ويظلم فيه . ولأن ما ضمن في البيع ، وجب ضمانه في الغصب ، كالمنقول ، ولأنه يمكن الاستيلاء عليه على وجه يحول بينه وبين مالكه ، مثل أن يسكن الدار ويمنع مالكها من دخولها ، فأشبه ما لو أخذ الدابة والمتاع . وأما إذا حال بينه وبين متاعه ، فما استولى على ماله ، فنظيره هاهنا أن يحبس المالك ، ولا يستولي على داره .

                                                                                                                                            وأما ما تلف من الأرض بفعله ، أو سبب فعله ، كهدم حيطانها ، وتغريقها ، وكشط ترابها ، وإلقاء الحجارة فيها ، أو نقص يحصل بغرسه أو بنائه ، فيضمنه بغير اختلاف في المذهب ، ولا بين العلماء ; لأن هذا إتلاف ، والعقار يضمن بالإتلاف من غير اختلاف . ولا يحصل الغصب من غير استيلاء ، فلو دخل أرض إنسان أو داره ، لم يضمنها بدخوله ، سواء دخلها بإذنه أو غير إذنه ، وسواء كان صاحبها فيها أو لم يكن .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحاب الشافعي : إن دخلها بغير إذنه ، ولم يكن صاحبها فيها ، ضمنها ، سواء قصد ذلك ، أو ظن أنها داره ، أو دار أذن له في دخولها ; لأن يد الداخل ثبتت عليها بذلك ، فيصير غاصبا ، فإن الغصب إثبات اليد العادية ، وهذا قد ثبتت يده ، بدليل أنهما لو تنازعا في الدار ولا بينة لهما ، حكم بها لمن هو فيها ، دون الخارج منها .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه غير مستول عليها ، فلم يضمنها ، كما لو دخلها بإذنه ، أو دخل صحراءه ، ولأنه إنما يضمن بالغصب ما يضمنه في العارية ، وهذا لا تثبت به العارية ، ولا يجب به الضمان فيها ، فكذلك لا يثبت به الغصب ، إذا كان بغير إذن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية