الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ فروع ]

حلف لا يساكن فلانا فساكنه في عرصة دار ، أو هذا في حجرة ، وهذا في حجرة حنث إلا أن تكون دارا كبيرة .

ولو تقاسماها بحائط بينهما إن عين الدار في يمينه حنث وإن نكرها لا . ولو دخلها فلان غصبا إن أقام معه حنث علم أو لا ، وإن انتقل فورا [ ص: 753 ] وكما لو نزل ضيفا ، وكذا لو سافر الحالف فسكن فلان مع أهله به يفتى لأنه لم يساكنه حقيقة ، ولو قيد المساكنة بشهر حنث بساعة لعدم امتدادها بخلاف الإقامة بحر . وفي خزانة الفتاوى : [ ص: 754 ] حلف لا يضربها فضربها من غير قصد لا يحنث

التالي السابق


مطلب حلف لا يساكن فلانا

( قوله حلف لا يساكن فلانا ) فإن كان ساكنا معه فإن أخذ في النقلة وهي ممكنة وإلا حنث قال محمد فإن كان وهب له المتاع وقبضه منه وخرج من ساعته وليس من رأيه العود فليس بمساكن . وكذلك إن أودعه المتاع أو أعاره ثم خرج ولا يريد العود بحر . وفي حاشية الرملي عن التتارخانية لا تثبت المساكنة إلا بأهل كل منهما ومتاعه ( قوله فساكنه في عرصة دار ) أي ساحتها وهذا في بيت أو غرفة بالأولى ( قوله أو هذا في حجرة ) في بعض النسخ بالواو ، ونسخة أو أحسن وهي الموافقة للبحر ( قوله حنث ) فلو نوى أن لا يساكنه في بيت واحد أو حجرة واحدة يكونان فيه معا لم يحنث ، حتى يساكنه فيما نوى وإن نوى بيتا بعينه لم يصح بزازية . وفي الذخيرة وغيرها لا يساكنه في هذه المدينة أو القرية أو في الدنيا فساكنه في دار حنث . ولو سكن كل في دار فلا إلا إذا نوى ( قوله إلا أن تكون دارا كبيرة ) نحو دار الوليد بالكوفة ودار نوح ببخارى لأن هذه الدار بمنزلة المحلة ظهيرية .

( قوله ولو تقاسماها إلخ ) يعني لو حلف لا يساكن فلانا في دار فاقتسماها وضربا بينهما حائطا وفتح كل منهما لنفسه بابا ثم سكن كل منهما في طائفة فإن سمى دارا بعينها حنث وإن لم يسم ولم ينو فلا كما في الخانية ووجهه كما قال السائحاني أن اليمين إذا عقدت على دار بعينها يحنث بعد زوال البناء فبعد القسمة أولى ( قوله ولو دخلها فلان غصبا ) معناه وسكنها لأنه لا يحنث بمجرد الدخول رملي ، ومر أن المساكنة لا تثبت إلا بأهل كل منهما ومتاعه ( قوله وإن انتقل فورا ) أي على التفصيل السابق [ ص: 753 ] قوله وكما لو نزل ضيفا ) أي لا يحنث قال في الخلاصة وفي الأصل لو دخل عليه زائرا أو ضيفا فأقام فيه يوما أو يومين لا يحنث والمساكنة بالاستقرار والدوام وذلك بأهله ومتاعه . ا هـ . وفي الخانية : حلف لا يساكن فلانا فنزل الحالف وهو مسافر منزل فلان فسكنا يوما أو يومين لا يحنث ، حتى يقيم معه في منزله خمسة عشر يوما كما لو حلف لا يسكن الكوفة فمر بها مسافرا ونوى إقامة أربعة عشر يوما لا يحنث ، وإن نوى إقامة خمسة عشر يوما حنث ا هـ وقد وقعت هذه المسألة في البحر بدون قوله وهو مسافر فأوهم أن مسألة الضيف مقيدة بما دون خمسة عشر يوما مع احتمال أن يفرقوا بينهما والله أعلم .

( قوله به يفتى ) هو قول أبي يوسف وعند الإمام يحنث بناء على أن قيام السكنى بالأهل والمتاع بزازية ، وفرض المسألة في التتارخانية عن المنتقى فيما إذا سافر المحلوف عليه ، وسكن الحالف مع أهله ولا يخفى أن هذه أقرب إلى مظنة الحنث ( قوله ولو قيد المساكنة بشهر إلخ ) عبارة البحر لو حلف لا يساكنه شهر كذا فساكنه ساعة فيه حنث لأن المساكنة مما لا يمتد ، ولو قال : لا أقيم بالرقة شهرا لا يحنث ما لم يقم جميع الشهر ، ولو حلف لا يسكن الرقة شهرا فسكن ساعة حنث ا هـ .

قلت : فقد فرقوا بين لفظ المساكنة ولفظ الإقامة ، وعلله الفارسي في باب يمين الأبد والساعة من شرحه على تلخيص الجامع بأن الوقت في غير المقدر بالوقت ظرف لا معيار ، والمساكنة والمجالسة ونحوهما غير مقدرة بالوقت لصحتها في جميع الأوقات وإن قلت فيكون الوقت لتقدير المنع الثابت باليمين لا لتقدير الفعل بالوقت ، وذكر أن السكنى لم يذكرها محمد في الأصل وإنما اختلف فيها المشايخ فقيل : كالمساكنة وقيل : يشترط استيعابها الوقت . ا هـ . ومقتضى هذا أن الإقامة مقدرة بالوقت بمعنى أنها لا تسمى إقامة ما لم تمتد مدة ، ويشير إلى هذا ما في التتارخانية وإذا حلف لا يقيم في هذه الدار كان أبو يوسف يقول إذا قام فيها أكثر النهار أو أكثر الليل يحنث ثم رجع وقال إذا أقام فيها ساعة واحدة يحنث وهو قول محمد ، وإذا حلف لا يقيم بالرقة شهرا فليس بحانث حتى يقيم بها تمام الشهر ا هـ . ومفاده : أن الإقامة متى قيدت بالمدة لزم في مفهومها الامتداد ، وتقيدت بالمدة المذكورة كلها بخلاف المساكنة ، فإنه لا يلزم امتدادها مطلقا لصدقها على القليل والكثير فلا تكون المدة قيدا لها بل قيد للمنع بمعنى أنه منع نفسه عن المساكنة في الشهر ، فإذا سكن يوما منه حنث لعدم المنع ، هذا غاية ما ظهر لي في هذا المحل وبه ظهر أن قولهم هنا إن المساكنة مما لا يمتد معناه لا يلزم في تحققها الامتداد ، بخلاف الإقامة إذا قرنت بالمدة فلا ينافي ما مر في كلامالمصنف والشارح تبعا لغيرهما أن المساكنة مما يمتد بخلاف الدخول والخروج لأن معناه أنها يمكن امتدادها وهذا غير المعنى والمراد هنا وقد خفي هذا على الخير الرملي وغيره فادعوا أن ما هنا مناقض لما مر وأن الصواب إسقاط " عدم " من قوله لعدم امتدادها فافهم .

ثم اعلم أنه في التتارخانية وغيرها ذكر أنه لو قال عنيت المساكنة جميع الشهر صدق ديانة لا قضاء وقيل قضاء أيضا والصحيح الأول .

قلت : وأنت خبير بأن مبنى الأيمان على العرف والعرف الآن فيمن حلف لا يساكن فلانا شهرا أو لا يسكن هذه الدار شهرا أو لا يقيم فيها شهرا أنه يراد جميع المدة في المواضع الثلاث والله سبحانه أعلم ( قوله وفي خزانة الفتاوى إلخ ) مخالف لما يأتي في باب اليمين بالضرب من أنه يشترط في الضرب القصد على الأظهر . ا هـ . ح .

[ ص: 754 ] قلت : ومع هذا لا مناسبة لذكره هنا إلا أن يقال استوضح به قوله في المسألة المارة إن أقام معه حنث علم أو لا




الخدمات العلمية