الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) بيان ما يحكم به بكونه مؤمنا من طريق الدلالة ، فنحو أن يصلي كتابي ، أو واحد من أهل الشرك في جماعة ، ويحكم بإسلامه عندنا وعند الشافعي - رحمه الله - لا يحكم بإسلامه ولو صلى وحده لا يحكم بإسلامه .

                                                                                                                                ( وجه ) قول الشافعي - رحمه الله - إن الصلاة لو صلحت دلالة الإيمان لما افترق الحال فيها بين حال الانفراد ، وبين حال الاجتماع ولو صلى وحده لم يحكم بإسلامه فعلى ذلك إذا صلى بجماعة .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الصلاة بالجماعة على هذه الهيئة التي نصليها اليوم ، لم تكن في شرائع من قبلنا ، فكانت مختصة بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فكانت دلالة على الدخول في دين الإسلام ، بخلاف ما إذا صلى وحده ; لأن الصلاة وحده غير مختصة بشريعتنا وروي عن محمد - رحمه الله - أنه إذا صلى وحده مستقبل القبلة يحكم بإسلامه ; لأن الصلاة مستقبل القبلة دليل الإسلام ; لقوله عليه الصلاة والسلام { من شهد جنازتنا ، وصلى إلى قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فاشهدوا له بالإيمان } .

                                                                                                                                وعلى هذا الخلاف إذا أذن في مسجد جماعة يحكم بإسلامه عندنا ، خلافا للشافعي - رحمه الله تعالى - لنا أن الأذان من شعائر الإسلام ، فكان الإتيان به دليل قبول الإسلام ، ولو قرأ القرآن أو تلقنه لا يحكم بإسلامه ; لاحتمال أنه فعل ذلك ليعلم ما فيه من غير أن يعتقده حقيقة ، إذ لا كل من يعلم شيئا يؤمن به ، كالمعاندين من الكفرة ، ولو حج هل يحكم بإسلامه قالوا : ينظر في ذلك إن تهيأ للإحرام ، ولبى وشهد المناسك مع المسلمين يحكم بإسلامه ; لأن عبادة الحج على هذه الهيئة المخصوصة ، لم تكن في الشرائع المتقدمة ، فكانت مختصة بشريعتنا ، فكانت دلالة الإيمان كالصلاة بالجماعة .

                                                                                                                                وإن لبى ولم يشهد المناسك ، أو شهد المناسك ، ولم يلب لا يحكم بإسلامه ; لأنه لا يصير عبادة في شريعتنا إلا بالأداء على هذه الهيئة ، والأداء على هذه الهيئة لا يكون دليل الإسلام ، ولو شهد شاهدان أنهما رأياه يصلي سنة ، وما قالا : رأيناه يصلي في جماعة وهو يقول : صليت صلواتي لا يحكم بإسلامه ; لأنهم يصلون أيضا ، فلا تكون الصلاة المطلقة دلالة الإسلام ، ولو شهد أحدهما وقال : رأيته يصلي في المسجد الأعظم وشهد [ ص: 104 ] الآخر وقال : رأيته يصلي في المسجد كذا وهو منكر لا تقبل ، ولكن يجبر على الإسلام ; لأن الشاهدين اتفقا على وجود الصلاة منه بجماعة في المسجد ، لكنهما اختلفا في المسجد ، وذا يوجب اختلاف المكان لا نفس الفعل ، وهو الصلاة ، فقد اجتمع شاهدان على فعل واحد حقيقة ، لكن تعتبر شهادتهما في الجبر على الإسلام ، لا في القتل ; لأن فعل الصلاة وإن كان متحدا حقيقة ، فهو مختلف صورة لاختلاف محل الفعل فأورث شبهة في القتل والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية