الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ووجب [ ص: 282 ] استبراء باستفراغ أخبثيه )

                                                                                                                            ش : ( الاستبراء ) في اللغة طلب البراءة كالاستسقاء طلب السقي والاستفهام طلب الفهم فإن الاستفعال أصله الطلب ، وفي عرف الشرع في الطهارة هو طلب البراءة من الحدث وذلك باستفراغ ما في المخرجين من الأخبثين وهما البول والغائط وهو واجب قال في الجلاب : وهو والاستبراء واجب مستحق وهو استفراغ ما في المخرجين من الأذى انتهى وقال في الطراز ويجب على من بال وتغوط أن يستبرئ نفسه ويستنثر وعده القاضي عياض في قواعده من سنن الاستنجاء فقال القباب في شرحه لا أدري لم أدخل الاستبراء في باب السنن وهو مجمع على وجوبه إلا أن يتأول أنه أراد هاهنا السنة بمعنى الطريقة فيكون من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز أو تكون السنة كونه بالسلت والنتر ; لأنه أسرع للتخلص . انتهى

                                                                                                                            قلت قوله وهو مجمع على وجوبه فيه نظر فإن الصحيح عند الشافعية أن الاستبراء غير واجب ودليلنا حديث الصحيحين في صاحب القبر وقوله في بعض الروايات فيه فأما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله .

                                                                                                                            ص ( مع سلت ذكر ونتر خفا )

                                                                                                                            ش : يعني أنه يجب استفراغ ما في المخرجين مع سلت الذكر بأن يجعله بين أصبعيه ويمرهما من أصله إلى الكمرة ونتره أي جذبه سلتا ونترا خفيفين والنتر بالتاء بالمثناة الفوقية قال الشارح روى ابن المنذر مسندا : إنه عليه الصلاة والسلام قال : { إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثا ويجعله بين أصبعيه السبابة والإبهام فيمرهما من أصله إلى كمرته } انتهى ، وذكره في الطراز قال في النهاية : النتر جذب فيه قوة وجفوة ومنه الحديث { أن أحدكم يعذب في قبره فيقال : إنه لم يكن يستنثر عند بوله . } الاستنتار الاستفعال من النتر يريد به الحرص عليه والاهتمام به وهو بعث على التطهير بالاستبراء من البول انتهى وقال النووي في تهذيب الأسماء : النتر الجذب بجفاء ، نتره ينتره فانتتر ، واستنتر الرجل من بوله اجتذبه واستخرج بقيته من الذكر . قال الليث النتر الجذب فيه جفوة . انتهى ، وقال في المغرب والنتر الجذب بجفوة ومنه : { إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات } انتهى ، وكلهم ذكروه في مادة نتر بالمثناة الفوقية ثم ذكروا بعده مادة نثر بالمثلثة والله أعلم . وقال في التلقين وليس على من بال أن يقوم ويقعد أو يزيد في التنحنح ولكن ينتر ويستفرغ جهده على ما يرى أن يقتضيه من إطالة أو إقصار قال في شرح غريبه ينتر ويجذب ، قال الليث : النتر جذب فيه قوة ويريد أن الأصل فيه كذا ومنه الحديث { إذا بال أحدكم فلينتر ذكره } أي يجذبه انتهى ، وقوله يريد أن الأصل فيه كذا كأنه يشير والله تعالى أعلم إلى أن النتر معناه في الأصل الجذب بقوة ولكن المأمور به في الاستبراء إنما هو النتر الخفيف فتأمله والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ومقتضى كلامه أن السلت والنتر واجبان وهو الذي يقتضيه كلام غير واحد من أهل المذهب خلاف ما يقتضيه كلام القباب السابق قال في النوادر من المختصر : وليس على الذي يستبرئ من البول أن ينتفض ويتنحنح ويقوم ويقعد ولا يمشي ويستبرئ ذلك بأيسره بالنفض والسلت الخفيف قال ابن القاسم عن مالك في العتبية في الذي يكثر السلت ويقوم ويقعد : ليس ذلك بصواب . انتهى ، وقال ابن عرفة الجلاب الاستبراء إخراج ما بالمحلين من أذى واجب مستحق ، وروي بالنفض والسلت الخفيفين باليسرى . انتهى ، وقال في المدخل لا يسلت ذكره إلا برفق فإن ذلك يؤدي إلى أن يصلي بالنجاسة ; لأن المحل كالضرع طالما أنت تسلته يعطي فيكون ذلك سببا لعدم التنظف . انتهى اللخمي من عادته احتباسه فإذا قام نزل منه وجب أن يقوم ثم يقعد فإن أبى نقض وضوءه ما نزل منه بعده . مالك ربيعة أسرع امرئ وضوءا وأقله لبثا في البول وابن هرمز يطيلهما ويقول : مبتلى لا تقتدوا بي ، وقال في المدخل : يتفقد نفسه في الاستبراء فيعمل على عادته فرب شخص [ ص: 283 ] يحصل له التنظيف عند انقطاع البول عنه وآخر لا يحصل له ذلك إلا بعد أن يقوم ويقعد وذلك راجع إلى اختلاف الناس في أمزجتهم وفي مآكلهم واختلاف الأزمنة عليهم فقد يتغير حاله بحسب اختلاف الأمر عليه وهو يعهد من نفسه عادة ، فيعمل عليها فيخاف عليه أن يصلي بالنجاسة أو يتوسوس في طهارته فيكون يعمل على ما يظهر له في كل وقت من حال مزاجه وغذائه وزمانه ، فليس الشيخ كالشاب ولا من أكل البطيخ كمن أكل الخبز وليس الحر كالبرد . انتهى ، وقال : إذا استنجى فليكن الإناء بيده اليمنى ليسكب بها الماء ويده اليسرى على المحل يعركه ويواصل صب الماء ويبالغ في التنظيف خيفة أن يبقى معه شيء من الفضلات فيصلي بالنجاسات وعذاب القبر من هذا الباب ، قال : ويحذر أن يدخل أصبعه معه فإنه من فعل أشرار الناس وهو منهي عنه ; لأنه يفعل بنفسه وذلك حرام . انتهى ، وقول الرسالة : وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين . قال الشيخ زروق يعني ولا له ذلك ; لأنه يضر به ويشبه اللواط في الدبر والسحاق في حق المرأة وهو من فعل المبتدعة وفي السليمانية في استنجاء المرأة أنها تغسل قبلها كغسل اللوح ولا تدخل يديها بين شفريها كما تفعل من لا دين لها من النساء انتهى .

                                                                                                                            ( فروع الأول ) قال في المدخل : إذا قام يستبرئ فلا يخرج بين الناس وذكره في يده وإن كانت تحت ثوبه فإن ذلك شوهة ومثلة وكثيرا ما يفعل بعض الناس هذا وقد نهى عنه ، فإن كانت له ضرورة في الاجتماع بالناس إذ ذاك فيجعل على فرجه خرقة يشدها عليه ثم يخرج فإذا فرغ من ضرورته تنظف . انتهى

                                                                                                                            ( الثاني ) يكره له أن يشتغل بغير ما هو فيه من نتف إبط أو غيره لئلا يبطئ في خروج الحدث والمقصود الإسراع في الخروج من ذلك المحل بذلك وردت السنة قال الإمام أبو عبد الله القرشي رحمه الله تعالى : إذا أراد الله بعبده خيرا يسر عليه الطهارة . انتهى

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية