الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثالث في الواجب في الماشية ، وفي ( الجواهر ) : اختلف في صفة الشاة المأخوذة في الإبل والغنم ، فقال ابن القاسم : يأخذ الجذع والجذعة والثني والثنية ، والضأن والمعز في ذلك سواء ، وقال ( ح ) : الثني والثنية سواء ، وقاله ( ش ) : إن كانت الغنم كلها ذكورا ، وإلا فلا يؤخذ إلا أنثى ، قال ابن القصار : الواجب عندنا : الإناث ، وجهة الإجزاء : " قوله عليه السلام : ( في أربعين شاة شاة ) ولم يخصص ، وقياسا على الضحايا والهدايا ، ولأن ذكور الضأن أطيب لحما وأكثر ثمنا فعادل بذلك لبن الأنثى وسلمها ، وفي ( الكتاب ) : الجذع من الضأن والمعز في الزكاة سواء ، ويؤخذ الثني من الضأن ذكرا كان أو أنثى ، ولا يؤخذ الثني من المعز الأنثى ; لأن الذكر ثلاثي ، ويحسب على رب المال : التيس والعمياء والمريضة والهرمة والسخلة والعرجاء ، فإن كانت الغنم كلها من ذلك لزم ربها الإتيان بما عليه ; لأنه الواجب ، وكذلك إذا كانت عجاجيل أو فصلانا ، وإذا رأى المصدق أن يأخذ ذات العور أو التيس أو نحو ذلك أخذه ; لأنه حاكم يجب عليه أن ينظر بالمصلحة ، ولا يأخذ من الصغار شيئا ، لقول عمر المتقدم ، وإذا كانت ربى كلها أو ماخضا أو أكولة أو فحولا لم يكن للمصدق الأخذ منها ، ويأتي ربها بالجذع والثنية ، ولا يأخذ ما تحت الجذع ، وإن رضي رب المال الماشية بما فوق الثني أخذه ، قال سند : قالعبد الملك : إذا لم يجد جذعة ولا ثنية أخذ الربى والمواخض زادت العورا فيأخذ مما وجد قياسا على الثمار ، وقول عمر محمول على الغالب ، لنا : ما في الصحيحين قال عليه السلام لمعاذ لما بعثه إلى اليمن : ( اتق كرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حاجب ) .

                                                                                                                [ ص: 110 ] وفي ( الجواهر : أسباب النقص أربعة : المرض والصغر والعيب والذكورة ، قال القاضي أبو الحسن : لا يأخذ المصدق ذات العيب وإن كانت قيمتها خلافا لما في ( الكتاب ) .

                                                                                                                فوائد : ذات العور ، أي ذات العيب والتيس دون الفحل ، وهو عيب بخلاف الفحل ، قال الأزهري : أول ما يولد الواحد من الغنم يسمى سخلة ذكرا كان أو أنثى ضأنا أو معزا ، ثم بهمة للذكر والأنثى وجمعها بهم ، فإذا بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه ، فأولاد المعز حقاق بالكسر ، الواحد جفر ، فإذا رعى وقوي فهو عريض بالعين المهملة وعتود ، وجمعها عرضان وعتدان ، وهو في ذلك كله جدي بفتح الجيم وسكون الدال ، والأنثى عناق ، وجمعها : عنوق جاء على غير قياس ، ما لم يأت الحول بالذكر تيس والأنثى عنز ، ثم يجذع في السنة الثانية ، فالذكر جذع والأنثى جذعة ، ثم يثني في السنة الثانية فالذكر ثني والأنثى ثنية ، ورباعي في الرابعة ، وسدس في الخامسة ، وضالع في السادسة ، وليس له بعد ذلك اسم ، قال : وقال ابن الأعرابي : الجذع من الضأن إذا كان بين الشاتين لستة أشهر ، وبين الهرمين يجدع لثمانية أشهر ، وقال يحيى بن آدم : إنما يجزئ الجذع من الضأن دون المعز ; لأنه ينزو فيلقح ، والمعز لا تلقح حتى تثنى ، ووافقه أبو الطاهر على ذلك ، وقال الأصمعي : يجذع المعز لستة والضأن لثمانية أشهر وتسعة ، قال سند : قال ابن حبيب : الثني هو الذي طرح ثنيته له سنتان ، ودخل في الثالثة من الضأن والمعز ، وروي عن الأصمعي : الجذع ابن سنة من الضأن والمعز ، وقيل : ما له ستة أشهر ، وقيل : عشرة ، وفي ( الجواهر ) : التحاكم في هذا إلى أهل اللغة ، والأشهر أن الجذع ابن سنة ، وقال غيره : سمي جذعا لسقوط أسنانه ، ويروى النهي عن أخذ حرزات الناس وهي خيار أموالهم التي يحزونها في نفوسهم .

                                                                                                                فرعان الأول : في ( الكتاب ) : المأخوذ يختص بغير الأوقاص ، والوقص لا شيء فيه ، وهو بين الفريضتين في جميع الماشية .

                                                                                                                [ ص: 111 ] فائدة : في ( التنبيهات ) : الوقص بفتح الواو : ما لا زكاة فيه مما بين الفريضتين في الزكاة ، وجمعه : أوقاص ، وقال أبو عمران : هو ما وجبت فيه الغنم كالخمس من الإبل إلى العشرين ، وقيل : هو في البقر خاصة ، قال سند : الجمهور على تسكين القاف ، وقيل : يفتح ; لأن جمعه أوقاص كجمل وأجمال وجبل وأجبال ، ولو كانت ساكنة لجمع على أفعل مثل فلس وأفلس وأكلب ، ولا حجة فيه ; لأنهم قالوا : حول وأحوال وقول وأقوال ، وكبر وأكبار ، قال الجوهري : وقص العنق كسرها ووقصت به راحلته وبفتح القاف قصرا العنق ، وواحد الأوقاص في الصدقة بين الفريضتين ، وكذلك الشنق ، وقيل : الوقص في البقر ، والشنق في الإبل ، ويقال : توقصت به فرسه إذا نزى نزوا قارب الخطا .

                                                                                                                واعلم أن هذه اللفظة معلومة قبل الشرع فيجب أن تكون لمعنى لا تعلق له بالزكاة التي لم تعلم إلا من الشرع ، واستعيرت من ذلك المعنى اللغوي لهذا المعنى الشرعي ، وذلك يحتمل أن يكون وقص العنق الذي هو قصره لقصوره على النصاب ، أو من وقصت به فرسه إذا قاربت الخطو ; لأنه تقارب النصب ، وقال سند : ولمالك و ( ش ) في تعلق الزكاة بالوقص قولان ، وأسقطها ( ح ) وجب عدم التعلق وما في كتاب عمر - رضي الله عنه - : وليس فيه شيء حتى تبلغ المائة ، ولأن ما قبل الوقص واجب الزكاة وما بعده طردي ، وجه الجواب : ما في الأحاديث من قوله عليه السلام : ( ففيها شاة إلى تسع ، ففيها شاتان ، إلى مائة وعشرين ) وحرف ( إلى ) يوجب امتداد ما قبلها من الحكم إلى آخر الغاية ، كقوله : يعتد من هاهنا إلى هاهنا ، وقوله تعالى : ( إلى المرافق _ إلى الكعبين ) . ( المائدة : 6 ) وإلا سقط ويتفرع على الخلاف إذا كان معه تسع من الإبل فتلف منها أربعة بعد الحول ، إن قلنا : الوقص معتبر سقط من الشاة أربع أتساعها ، فإن تلف خمس بعد الحول وقلنا : الإمكان شرط في الضمان ، سقط من الشاة خمسها ، وإن قلنا : الوقص لمعنى ، [ ص: 112 ] وإلا سقط خمسة أتساعها وكذلك لو كان معه ثمانون من الغنم فتلف منها أربعون بعد الحول الثاني ، في ( الكتاب ) : إن كان له ستون ضانية ، وسبعون أخذت من كليهما شاتان ، وإن كانت المعز خمسين فضانية ولو كان ستين وستين لخير الساعي ، ولو كانا مائة وعشرين ضانية ، وأربعين معزى أخذ شاتين منها ، ولو كانت المعز ثلاثين أخذهما من الضأن ، ولو كانا ثلاثمائة ضانية وتسعين معزى فثلاث ضوائن ، والمعز وقص حتى تبلغ مائة ففيها شاة ، ولو كانت ثلاثمائة وخمسين وخمسون معزى فثلاث ضوائن ، ويخير في الرابعة إما من الضأن وإما من المعز ، ولو كانت الضأن ثلاثمائة وستين ، والمعز أربعين أخذ الأربعة من الضأن ، قال سند : إن كان النصاب من صنفين على السواء يخير ، فإن كان أحدهما أكثر من النصاب أخذت من الأكثر ; لأن الأقل تبع ، فإذا بلغت مائة وعشرين وهما متساويان يخير ، أو كانت الضأن الأكثر أخذ منها ، والمعز الأكثر ، ونقص نصابها عن الأربعين ، أخذت من المعز ; لأن الضأن لغو ، وإن لم ينقص عن الأربعين فذلك عند ابن القاسم ترجيحا للأكثر ، وقال ابن مسلمة : يتخير الساعي ; لأن كل واحد يجب فيه شاة ، ولا حيف على رب المال ، لا سيما إذا قلنا : الوقص يلغى ، فإن وجب شاتان وتساوى الصنفان أخذهما من كليهما ، فإن تفاوتا لم يجب في أحدهما - لو انفرد - الشاتان ، أخذت شاة من أكثرهما ، واعتبر ما يزيد على النصاب مع الأقل فهما متساويان ، أو أحدهما أكثر ، فإن كان فاضل الأكثر أكثر ، والأقل نصاب أخذت الثانية منه عند ابن القاسم ، ومن الأكثر عند سحنون تغليبا للأكثر ، وعند ابن القاسم لما أثر الأول في الزكاة وهو نصاب لم يحل من الزكاة ، فإن لم يبلغ الأول نصابا فلا يختلف في أخذ الثانية من الأكثر ، فإن كان فاضل الأكثر أقل ، أخذت الثانية من النصف الآخر ، وإن لم يبلغ نصابا ، وهذا إنما يتصور في أربعين بقرة وعشرين جاموسة ، وكذلك إذا بلغ نصابا ; لأنه لو انفرد لوجبت الشاة . فإن استوى فاضل الأكثر مع الصنف الآخر ، ولا يكون ذلك إلا في الثاني نصاب أخذت [ ص: 113 ] الثانية من غير فاضل الأكثر عند ابن القاسم ; لأنه نصاب أثر في الزكاة ، وعند سحنون من فاضل الأكثر ، فإن كانت ثلاثمائة وتسعين أخذت ثلاث ضوائن ; لأن التسعين وقص ; لأن النصاب ها هنا مائة أخذت منها معزى ، ولو كانت ثلاثمائة وخمسين ثانية وخمسين معزى فثلاث ضوائن ، وخير من الرابعة عند ابن القاسم ، كما لو كان ستين وأربعين معزى ، فإن الأخذ من الأكثر ، والأربعون ها هنا لا تكون نصابا ، فلو كانت المعز ستين أخذت منها ; لأنها أكثر النصاب ها هنا ، وفي مائتين ضانية ومائة معزى ; لأنها واجبها في مائتين وإحدى وعشرين ، ووجبت الثالثة بانضمام المعز وهي نصاب ، وأكثر مما فضل من الأكثر ، وكذلك عند ابن القاسم في مائة وإحدى وعشرين معزى ، والضأن مائة وثمانون ضانيتان ومعزى ، وعند ابن مسلمة : شاتان في أيهما شاء ، والثالثة في الصنف الآخر ; لأن في كل صنف نصابا للشاتين حتى تزيد على الثلاثمائة ينقلب النصاب إلى المبين بالسنة وفي ثلاثمائة وخمسة وعشرين ضانا ومعزى على السواء ضانية ومعزى ويتخير في الثالثة عند ابن القاسم وابن مسلمة لانقلاب النصاب إلى المبين ، ولو كثر أحدهما كان الأخذ منه ، قال ابن القاسم في ( الكتاب ) : وكذلك اجتماع الجوامس والبقر والبخت والعراب يريد : في خمسة وعشرين بختا وعرابا على السواء بنت مخاض في إحداهما ، فإن كان إحداهما أكثر فمنه ، فإن كانت ستة وسبعين فهي نصاب واحد ، تؤخذ بنت لبون من أيهما شاء الساعي إن استويا ، فإن كان أحدهما أكثر فمنه ، وكذلك الحقتان في إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين ، فهي في حكم النصابين ، وزعم اللخمي : أن الستة والسبعين في حكم النصابين إن كانت العراب خمسين أخذ من كل واحد بنت لبون ، أو ستين أخذتا منهما ، فإنه إذا أخذت بنت لبون عن نصف الجميع وهو سبعة وثلاثون كان باقي العراب أربعة وعشرون وستة عشرة عرابا ، فهي أكثر ، قال : وهو قول ابن مسلمة ، ويتخير الساعي عند مالك في مائة وإحدى وعشرين في حقتين أو ثلاث بنات لبون ، فإن كانت البخت أقل من عشرين ، لم يأخذ منها شيئا ; لأنها ليست أكثر نصاب الخمسين ، وإلا الأربعين ، فإن بلغت عشرين واختار بنات اللبون فله أخذ بنت اللبون منها ، لأنها نصف نصابها ، وإن اختار حقتين فلا ، وإن بلغت ثلاثين واختار بنات اللبون أخذ واحدة منها ، [ ص: 114 ] وإن اختار الحقتين فعلى قول ابن القاسم : يأخذهما من العراب لتعلق الحقة لخمسين من العراب ، وفاضلها أكثر من البخت ، وعلى قول ابن مسلمة : يأخذ الثانية من البخت ; لأنها يضاف إليها عشرون ، فيكون أكثر نصاب الخمسين ، والزائد وقص ولو كانت أربعين ، واختار بنات اللبون والحقتين أخذ منهن واحدة ; لأن العراب لا تبلغ نصابين ، فلو كانت ستين واختار بنات اللبون ، أخذ من كل صنف واحدة وخير في الثالثة لتساوي عددهما في نصابهما ، وإن اختار حقتين أخذ من كل صنف حقة ، وإن كانت سبعين أخذ منها ابنتي لبون ، وإن اختار الحقتين لحقه ; لأنها نصابها ، وإن كان نصابها ثمانين فابنا لبون ، ومن العراب بنت لبون أو حقة عن خمسين ، والثانية من العراب عند ابن القاسم ; لأنها الأكثر مما بقي ، وعند ابن مسلمة تأخذ الثانية من البخت ; لأنه يضيف إليها عشرين فيكمل نصابها ، وأكثر بخت ، فإن كانت تسعين فأكثر أخذ الحقتين منها وفاقا ، وكذلك ثلاثون من البقر منها عشرون جاموسا ، فالتبيع من الجوامس ، ولو كانت خمسة عشرة يخير الساعي ، وكذلك لو كانت أربعين أو خمسين ، فلو كانت ستين فهما نصابان ، في كل ثلاثين تبيع ، فإن استويا أخذ من كل صنف تبيع ، فإن كان الجاموس أربعين ، أخذ عند ابن القاسم من كل صنف تبيع ; لأن النصاب الآخر أكثره يقر بعد إسقاط الأول ، قال سحنون : يأخذهما من الجوامس فتكون عشرين جاموسا ، وعشر بقرات ، والصواب عدم الفض كما في الحبوب ، بل يخرج من كل صنف ما أمكن ، ولو اجتمع ثلاثون جاموسا وثلاثون بقرة ، فإنه يأخذ من كل واحد تبيعا ، ولو صح السقيط تخير الساعي ، وليس كذلك ، فلو كان أحد الصنفين فيه الواجب دون الآخر أخذ الساعي ما وجد ، فإن لم يكن فيها : كلف الساعي أيهما شاء .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية