الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال ألقها يا موسى ( 19 ) فألقاها فإذا هي حية تسعى ( 20 ) قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ( 21 ) )

يقول تعالى ذكره : قال الله لموسى : ألق عصاك التي بيمينك يا موسى ، يقول الله جل جلاله : فألقاها موسى ، فجعلها الله حية تسعى ، وكانت قبل ذلك خشبة يابسة ، وعصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه ، فصارت حية بأمر الله .

كما حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، قال : ثنا حفص بن جميع ، قال : ثنا سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما قيل لموسى : ألقها يا موسى ، ألقاها ( فإذا هي حية تسعى ) ولم تكن قبل ذلك حية ، قال : فمرت بشجرة فأكلتها ، ومرت بصخرة فابتلعتها ، قال : فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها ، قال : فولى مدبرا ، فنودي أن يا موسى خذها ، فلم يأخذها ، ثم نودي الثانية : أن ( خذها ولا تخف ) ، فلم يأخذها ، فقيل له في الثالثة ( إنك من الآمنين ) فأخذها .

حدثني موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : قال له ، يعني لموسى ربه ( ألقها يا موسى ) يعني ( فألقاها فإذا هي حية تسعى ) ( فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ) فنودي ( يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون ) .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، [ ص: 296 ] ( قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى ) تهتز ، لها أنياب وهيئة كما شاء الله أن تكون ، فرأى أمرا فظيعا ، ( ولى مدبرا ولم يعقب ) فناداه ربه : ( يا موسى أقبل ولا تخف ) ( سنعيدها سيرتها الأولى ) .

وقوله ( قال خذها ولا تخف ) يقول تعالى ذكره قال الله لموسى : خذ الحية ، والهاء والألف من ذكر الحية ( ولا تخف ) يقول : ولا تخف من هذه الحية يقول : ( سنعيدها سيرتها الأولى ) يقول : فإنا سنعيدها لهيئتها الأولى التي كانت عليها قبل أن نصيرها حية ، ونردها عصا كما كانت .

يقال لكل من كان على أمر فتركه ، وتحول عنه ثم راجعه : عاد فلان سيرته الأولى ، وعاد لسيرته الأولى ، وعاد إلى سيرته الأولى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( سيرتها الأولى ) يقول : حالتها الأولى .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( سيرتها الأولى ) قال : هيئتها .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه ( سنعيدها سيرتها الأولى ) أي سنردها عصا كما كانت .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( سنعيدها سيرتها الأولى ) قال : إلى هيئتها الأولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية