الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني )

يقول تعالى ذكره : ولقد مننا عليك يا موسى مرة أخرى حين أوحينا إلى أمك أن اقذفي ابنك موسى حين ولدتك في التابوت ( فاقذفيه في اليم ) يعني باليم النيل ( فليلقه اليم بالساحل ) يقول : فاقذفيه في اليم ، يلقه اليم بالساحل ، وهو جزاء أخرج مخرج الأمر ، كأن اليم هو المأمور ، كما قال جل ثناؤه : ( اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ) يعني : اتبعوا سبيلنا نحمل عنكم خطاياكم ، ففعلت ذلك أمه به فألقاه اليم بمشرعة آل فرعون .

كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : لما ولدت موسى أمه أرضعته ، حتى إذا أمر فرعون بقتل الولدان من سنته تلك عمدت إليه ، فصنعت به ما أمرها الله تعالى ، جعلته في تابوت صغير ، ومهدت له فيه ، ثم عمدت إلى النيل فقذفته فيه ، وأصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كل غداة ، فبينا هو جالس ، إذ مر النيل بالتابوت فقذف به وآسية ابنة مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه ، فقال : إن هذا لشيء في البحر ، فأتوني به ، فخرج إليه أعوانه حتى جاءوا به ، ففتح التابوت فإذا فيه صبي في مهده ، فألقى الله عليه محبته ، وعطف عليه نفسه . وعنى جل ثناؤه بقوله ( يأخذه عدو لي وعدو له ) فرعون هو العدو ، كان لله ولموسى . [ ص: 303 ] حدثنا موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن السدي في قوله ( فاقذفيه في اليم ) وهو البحر ، وهو النيل .

واختلف أهل التأويل في معنى المحبة التي قال الله جل ثناؤه ( وألقيت عليك محبة مني ) فقال بعضهم : عنى بذلك أنه حببه إلى عباده .

ذكر من قال ذلك :

حدثني الحسين بن علي الصدائي والعباس بن محمد الدوري قالا ثنا حسين الجعفي عن موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل في قول الله ( وألقيت عليك محبة مني ) قال عباس : حببتك إلى عبادي ، وقال الصداني : حببتك إلى خلقي .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أي حسنت خلقك .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني إبراهيم بن مهدي عن رجل ، عن الحكم بن أبان عن عكرمة قوله ( وألقيت عليك محبة مني ) قال : حسنا وملاحة .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله ألقى محبته على موسى ، كما قال جل ثناؤه ( وألقيت عليك محبة مني ) فحببه إلى آسية امرأة فرعون ، حتى تبنته وغذته وربته ، وإلى فرعون حتى كف عنه عاديته وشره ، وقد قيل : إنما قيل : وألقيت عليك محبة مني ، لأنه حببه إلى كل من رآه . ومعنى ( وألقيت عليك محبة مني ) حببتك إليهم ، يقول الرجل لآخر إذا أحبه : ألقيت عليك رحمتي : أي محبتي .

" 39 "

التالي السابق


الخدمات العلمية