الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                والثاني ، الموادعة وهي : المعاهدة والصلح على ترك القتال يقال : توادع الفريقان أي تعاهدا على أن لا يغزو كل واحد منهما صاحبه والكلام في الموادعة في مواضع : في بيان ركنها ، وشرطها ، وحكمها ، وصفتها ، وما ينتقض به أما ركنها : فهو لفظة الموادعة ، أو المسالمة ، أو المصالحة ، أو المعاهدة ، أو ما يؤدي معنى هذه العبارات وشرطها الضرورة ، وهي ضرورة استعداد القتال ، بأن كان بالمسلمين ضعف ، وبالكفرة قوة المجاوزة إلى قوم آخرين ، فلا تجوز عند عدم الضرورة ; لأن الموادعة ترك القتال المفروض ، فلا يجوز إلا في حال يقع وسيلة إلى القتال ; لأنها حينئذ تكون قتالا معنى قال الله - تبارك وتعالى - { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم } .

                                                                                                                                وعند تحقق الضرورة لا بأس به ; لقول الله - تبارك وتعالى - { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله } وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وادع أهل مكة عام الحديبية على أن توضع الحرب عشر سنين ولا يشترط إذن الإمام بالموادعة ، حتى لو وادعهم الإمام ، أو فريق من المسلمين من غير إذن الإمام جازت موادعتهم ; لأن المعول عليه كون عقد الموادعة مصلحة [ ص: 109 ] للمسلمين وقد وجد .

                                                                                                                                ولا بأس بأن يأخذ المسلمون على ذلك جعلا ; لأن ذلك في معنى الجزية ، ويوضع موضع الخراج في بيت المال ، ولا بأس أن يطلب المسلمون الصلح من الكفرة ويعطوا على ذلك مالا إذا اضطروا إليه ; لقوله - سبحانه وتعالى - { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } أباح - سبحانه وتعالى - لنا الصلح مطلقا ، فيجوز ببدل أو غير بدل ، ولأن الصلح على مال لدفع شر الكفرة للحال ، والاستعداد للقتال في الثاني من باب المجاهدة بالمال والنفس ، فيكون جائزا وتجوز موادعة المرتدين إذا ` غلبوا على دار من دور الإسلام ، وخيف منهم ، ولم تؤمن غائلتهم لما فيه من مصلحة دفع الشر للحال ، ورجاء رجوعهم إلى الإسلام وتوبتهم ، ولا يؤخذ منهم على ذلك مال ; لأن ذلك في معنى الجزية ، ولا يجوز أخذ الجزية من المرتدين ، فإن أخذ منهم شيئا لا يرد ; لأنه مال غير معصوم .

                                                                                                                                ألا ترى أن أموالهم محل للاستيلاء كأموال أهل الحرب ؟ وكذلك البغاة تجوز موادعتهم ; لأنه لما جازت موادعة الكفرة ; فلأن تجوز موادعة المسلمين أولى ، ولكن لا يؤخذ منهم على ذلك مال ; لأن المال المأخوذ على ترك القتال ، يكون في معنى الجزية ، ولا تؤخذ الجزية إلا من كافر .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية