الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويكره الجعل ما دام للمسلمين فيء ) لأنه يشبه الأجر ، ولا ضرورة إليه ; لأن مال بيت المال معد لنوائب المسلمين . قال ( فإذا لم يكن فلا بأس بأن يقوي بعضهم بعضا ) لأن فيه دفع الضرر الأعلى بإلحاق الأدنى ، يؤيده { أن النبي عليه الصلاة والسلام أخذ دروعا من صفوان } وعمر رضي الله عنه كان يغزي الأعزب عن ذي الحليلة ، ويعطي الشاخص فرس القاعد .

التالي السابق


( قوله ويكره الجعل ) يريد بالجعل هنا أن يكلف الإمام الناس بأن يقوي بعضهم بعضا بالسلاح والكراع وغير ذلك من النفقة والزاد ( ما دام للمسلمين فيء ) وهو المال المأخوذ من الكفار بغير قتال كالخراج والجزية ، وأما المأخوذ بقتال فيسمى غنيمة ( لأنه لا ضرورة إليه ومال بيت المال معد لنوائب المسلمين ) وهذا وجه يوجب ثبوت الكراهة على الإمام بخصوصه ، والوجه الآخر وهو أن الجعل يشبه الأجرة ، وحقيقة أخذ الأجرة على الطاعة حرام فما يشبهها مكروه يوجبها على الغازي وعلى الإمام كراهة تسببه في المكروه ، وحقيقة الجعل ما يجعل للإنسان في مقابلة شيء يفعله . واعلم أن مقتضى النظر أن النفقة تجب في مال الغازي ; لأنه مأمور بعبادة مركبة من المال والبدن فتكون كالحج ، وأن وجوب تجهيزهم من بيت المال على الإمام إنما هو إذا لم يقدروا على الجهاز فاضلا عن حاجتهم وعيالهم وإن كانوا ممن يعطيهم استحقاقهم من بيت المال بعد أن يكون ذلك غير كاف للجهاز مع حاجة المقام ، وأما إذا لم يكن في بيت المال فيء لا يكره أن يكلف الإمام الناس ذلك على نسبة عدل ( لأن به دفع الضرر الأعلى ) وهو تعدي شر الكفار إلى المسلمين ( بإلحاق ) الضرر ( الأدنى ) واستأنس المصنف لهذا { بأنه صلى الله عليه وسلم أخذ دروعا من صفوان بن أمية } ( وبأن عمر كان يغزي الأعزب عن ذي الحليلة ، ويعطي الشاخص فرس القاعد ) أما { قصة صفوان فلا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل يطلب منه أدراعا عند خروجه إلى حنين . ففي سيرة ابن إسحاق أربعمائة درع ، وكان صفوان إذ ذاك [ ص: 444 ] على شركه ، فإنه كان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يسيره شهرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سيرتك أربعة أشهر ، ثم عرض الخروج من مكة إلى حنين فأرسل يطلب ذلك ، فقال : يا محمد أغصبا ؟ قال : لا بل عارية مضمونة ، فبعثها ثم استحمله إياها فحملها على مائتي بعير } .

وفي مسند أحمد قال : { فضاع بعضها ، فعرض عليه النبي عليه الصلاة والسلام أن يضمنها ، فقال : لا أنا اليوم في الإسلام أرغب } . وهذا لا يطابق نفس المدعي وهو تكليف الإمام المسلمين بأن يعينوا الخارجين ، ولا يفيد ذلك إلا بالالتزام ، فإن ما يفعله الإمام في المتكلم فيه لا يأخذه على أن يضمنه لهم من بيت المال .

نعم فيه أنه عند الحاجة يتوسل إلى الجهاد إذا لم يكن بالمسلمين قوة بالاستعارة من أهل الذمة بشرط الضمان لهم .

وأما ما عن عمر فظاهر فيه ; لأن معنى يغزيه عنه ليس إلا أنه يأخذ الجهاز منه ، وإلا فهو غاز عن نفسه وإن أعطاه من بيت المال . وأما قوله يعطي الشاخص فرس القاعد فصريح فيه .

والحديث رواه ابن سعد في الطبقات عن محمد بن عمر الواقدي بسنده عن عمر أنه كان يغزي عن ذي الحليلة ، وليس فيه أمر الفرس . وروى ابن أبي شيبة : حدثنا حفص بن غياث عن عاصم عن أبي مجلز قال : كان عمر يغزي العزب ويأخذ فرس المقيم فيعطيه المسافر .




الخدمات العلمية