الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويستحب الجمع بين ظاهر وباطن طاهر ( أو جرموقيه ) ولو فوق خف [ ص: 269 ] أو لفافة ، ولا اعتبار بما في فتاوى الشاذي ; لأنه رجل مجهول لا يقلد فيما خالف النقول ( أو جوربيه ) ولو من غزل أو شعر ( الثخينين ) بحيث يمشي فرسخا ويثبت على الساق ولا يرى ما تحته ولا يشف إلا أن ينفذ إلى الخف قدر الغرض . [ ص: 270 ] ولو نزع موقيه أعاد مسح خفيه . ولو نزع أحدهما مسح الخف والموق الباقي . ولو أدخل يده تحتهما ومسح خفيه لم يجز .

التالي السابق


( قوله ويستحب الجمع إلخ ) المراد بالباطن أسفل مما يلي الأرض لا ما يلي البشرة كما حققه في شرح المنية ، خلافا لما في البدائع . هذا وما ذكره الشارح تبع فيه صاحب النهر ، حيث قال : لكن يستحب عندنا الجمع بين الظاهر والباطن في المسح ، إلا إذا كان على باطنه نجاسة كذا في البدائع . ا هـ .

وأقول : الذي رأيته في نسختي البدائع نقله عن الشافعي ، فإنه قال : وعن الشافعي أنه لو اقتصر على الباطن لا يجوز ، والمستحب عنده الجمع إلخ ، فضمير الغيبة راجع إلى الشافعي ، وهكذا رأيته في التتارخانية .

وقال في الحلية : المذهب عند أصحابنا أن ما سوى ظهر القدم من الخف ليس بمحل للمسح لا فرضا ولا سنة ، وبه قال أحمد .

وقال الشافعي : يسن مسحهما . وقال في البحر وفي المحيط : ولا يسن مسح باطن الخف مع ظاهره خلافا للشافعي ; لأن السنة شرعت مكملة للفرائض ، والإكمال إنما يتحقق في الفرض لا في غيره . ا هـ . وفي غيره نفي الاستحباب وهو المراد . ا هـ كلام البحر : أي وفي غير المحيط قال : لا يستحب ، وهو المراد من قول المحيط لا يسن .

وفي معراج الدراية : السنة عند الشافعي ومالك مسح أعلى الخف وأسفله ، لما روي { أنه صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله } وعندنا وأحمد لا مدخل لأسفله في المسح لحديث علي رضي الله عنه : { لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح عليه من ظاهره ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما } رواه أبو داود وأحمد والترمذي ، وقال حديث حسن صحيح ، وما رواه الشافعي شاذ لا يعارض هذا مع أنه ضعفه أهل الحديث ، ولهذا قيل إنه يحمل على الاستحباب إن ثبت . وعن بعض مشايخنا يستحب الجمع . ا هـ .

فقد ظهر أن استحباب الجمع قول لبعض مشايخنا ، لا كما نقله في النهر من أنه المذهب ، فتنبه لذلك ولله الحمد ( قوله أو جرموقيه ) بضم الجيم : جلد يلبس فوق الخف لحفظه من الطين وغيره على المشهور قهستاني ، ويقال له الموق ، وليس غيره كما أفاده في البحر ( قوله ولو فوق خف ) أفاد جواز المسح عليهما منفردين أيضا وهذا لو كانا من جلد ، فلو من كرباس لا يجوز ولو فوق الخف إلا أن يصل بلل المسح إلى الخف ، ثم الشرط أن يكونا بحيث لو انفردا يصح مسحهما ، حتى لو كان بهما خرق مانع لا يجوز المسح عليهما سراج ، وأن يلبسهما قبل أن يمسح على الخفين وقبل أن يحدث ، فلو كان مسح على الخفين أو أحدث بعد لبسهما ثم لبس الجرموقين لا يجوز المسح عليهما اتفاقا ; لأنهما حينئذ لا يكونان تبعا للخف ، صرح بهذا الشرط في السراج وشروح المجمع ومنية المصلي [ ص: 269 ] وغيرها ، ومقتضاه أنه لو توضأ ثم لبس الخف ثم جدد الوضوء قبل الحدث ومسح على الخف ثم لبس الجرموق لا يجوز له المسح لاستقرار الحكم على الخف فلا يصير الجرموق تبعا .

وعبارة الشارح في الخزائن : وهذا إذا كانا صالحين للمسح أو رقيقين ينفذ إلى الخف قدر الفرض ولم يكن أحدث ولا مسح على خفيه قبل ما أحدث ذكره ابن الكمال وابن مالك . ا هـ . هذا وفي البحر والخف على الخف كالجرموق عندنا في سائر أحكامه خلاصة ( قوله أو لفافة ) أي سواء كانت ملفوفة على الرجل تحت الخف أو كانت مخيطة ملبوسة تحته كما أفاده في شرح المنية ( قوله ولا اعتبار بما في فتاوى الشاذي ) بالذال المعجمة على ما رأيته في النسخ ، لكن الذي رأيته بخط الشارح في خزائن الأسرار بالدال المهملة ، ثم الذي في هذه الفتاوى هو ما نقله عنها في شرح المجمع من التفصيل ، وهو أن ما يلبس من الكرباس المجرد تحت الخف يمنع المسح على الخف لكونه فاصلا وقطعة كرباس تلف على الرجل لا تمنع ; لأنه غير مقصود باللبس ، وقد أطال في رده في شرح المنية والدرر والبحر لتمسك جماعة به من فقهاء الروم ، قال ح : وقد اعتنى يعقوب باشا بتحقيق هذه المسألة في كراسة مبينا للجواز لما سأله السلطان سليم خان ( قوله أو جوربيه ) الجورب لفافة الرجل قاموس ، وكأنه تفسير باعتبار اللغة ، لكن العرف خص اللفافة بما ليس بمخيط والجورب بالمخيط ، ونحوه الذي يلبس كما يلبس الخف شرح المنية ( قوله ولو من غزل أو شعر ) دخل فيه الجوخ كما حققه في شرح المنية . وقال : وخرج عنه ما كان من كرباس بالكسر : وهو الثوب من القطن الأبيض ; ويلحق بالكرباس كل ما كان من نوع الخيط كالكتان والإبريسم ونحوهما . وتوقف ح في وجه عدم جواز المسح عليه إذا وجد فيه الشروط الأربعة التي ذكرها الشارح .

وأقول : الظاهر أنه إذا وجدت فيه الشروط يجوز ، وأنهم أخرجوه لعدم تأتي الشروط فيه غالبا ، يدل عليه ما في كافي النسفي حيث علل جواز المسح على الجورب من كرباس بأنه لا يمكن تتابع المشي عليه ، فإنه يفيد أنه لو أمكن جاز ، ويدل عليه أيضا ما في ط عن الخانية أن كل ما كان في معنى الخف في إدمان المشي عليه وقطع السفر به ولو من لبد رومي يجوز المسح عليه . ا هـ

( قوله على الثخينين ) أي اللذين ليسا مجلدين ولا منعلين نهر ، وهذا التقييد مستفاد من عطف ما بعده عليه ، وبه يعلم أنه نعت للجوربين فقط كما هو صريح عبارة الكنز . وأما شروط الخف فقد ذكرها أول الباب ، ومثله الجرموق ولكونه من الجلد غالبا لم يقيده بالثخانة المفسرة بما ذكره الشارح ; لأن الجلد الملبوس لا يكون إلا كذلك عادة ( قوله بحيث يمشي فرسخا ) أي فأكثر كما مر ، وفاعل يمشي ضمير يعود على الجورب والإسناد إليه مجازي ، أو على اللابس له والعائد محذوف أي به ( قوله بنفسه ) أي من غير شد ط ( قوله ولا يشف ) بتشديد الفاء ، من شف الثوب : رق حتى رأيت ما وراءه ، من باب ضرب مغرب .

وفي بعض الكتب : ينشف بالنون قبل الشين ، من نشف الثوب العرق كسمع ونصر شربه قاموس ، والثاني أولى هنا لئلا يتكرر مع قوله تبعا للزيلعي ولا يرى ما تحته ، لكن فسر في الخانية الأولى بأن لا يشف الجورب الماء إلى نفسه كالأديم والصرم ، وفسر الثاني بأن لا يجاوز الماء إلى القدم وكأن تفسيره الأول مأخوذ من قولهم اشتف ما في الإناء شربه كله كما في القاموس ، وعليه فلا تكرار فافهم ( قوله إلا أن ينفذ ) أي من البلل ، وهذا راجع [ ص: 270 ] إلى الجرموق لا الجورب ; لأن العادة في الجورب أن يلبس وحده أو تحت الخف لا فوقه ( قوله مسح الخف والموق الباقي ) أي يمسح الخف البادي ويعيد المسح على الموق الباقي لانتقاض وظيفتهما كنزع أحد الخفين ; لأن انتقاض المسح لا يتجزأ بحر ، وهذا ظاهر الرواية .

وروى الحسن أنه يمسح على الخف البادي لا غير . وعن أبي يوسف : ينزع الموق الباقي ويمسح الخفين خانية ( قوله لم يجز ) هذا إذا لم يكن في الموقين خرق مانع ، فلو كان قال في المبتغى له المسح على الخف أو على الجرموق ; لأنهما كخف واحد ، لكن بحث في الحلية وتبعه في البحر بأنه ينبغي أن لا يجوز إلا على الخف ، لما علم أن المنخرق خرقا مانعا وجوده كعدمه ، فكانت الوظيفة للخف فلا يجوز على غيره ، وبه صرح في السراج كما قدمناه




الخدمات العلمية