الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية

                                                                                                                                                                                                        1681 حدثنا عثمان بن الهيثم أخبرنا ابن جريج قال عمرو بن دينار قال ابن عباس رضي الله عنهما كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة ) تقدم الكلام على النزول بذي طوى والمبيت [ ص: 694 ] بها إلى الصبح لمن أراد أن يدخل مكة في أوائل الحج ، والمقصود بهذه الترجمة مشروعية المبيت بها أيضا للراجع من مكة ، وغفل الداودي فظن أن هذا المبيت متحد بالمبيت بالمحصب فجعل ذا طوى هو المحصب ، وهو غلط منه ، وإنما يقع المبيت بالمحصب في الليلة التي تلي يوم النفر من منى فيصبح سائرا إلى أن يصل إلى ذي طوى فينزل بها ويبيت ، فهذا الذي يدل عليه سياق حديث الباب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال محمد بن عيسى ) هو ابن الطباع أخو إسحاق البصري . حدثنا ( حماد ) اختلف في حماد هذا فجزم الإسماعيلي بأنه ابن سلمة ، وجزم المزي بأنه ابن زيد فلم يذكر حماد بن سلمة في شيوخ محمد بن عيسى وذكر حماد بن زيد ، ولم تقع لي رواية محمد بن عيسى موصولة . وقد أخرج الإسماعيلي ، وأبو نعيم من طريق حماد بن زيد ، عن أيوب طرفا من الحديث وليس فيه مقصود الترجمة ، وهذا الطرف تقدم في : " باب الاغتسال لدخول مكة " من طريق إسماعيل بن علية ، عن أيوب ، وأخرجه الإسماعيلي هنا عن الحسن بن سفيان ، عن محمد بن أبان ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب ، ولم يذكر مقصود الترجمة ، فلم يتضح لي صحة ما قال إن حمادا في التعليق عن محمد بن عيسى هذا هو ابن سلمة ، بل الظاهر أنه ابن زيد ، والله أعلم . وليس لمحمد بن عيسى هذا في البخاري سوى هذا الموضع وآخر في كتاب الأدب سيأتي بسط القول فيه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإذا نفر مر بذي طوى ) في رواية الكشميهني " وإذا نفر مر من ذي طوى إلخ " قال ابن بطال : وليس هذا أيضا من مناسك الحج . قلت وإنما يؤخذ منه أماكن نزوله صلى الله عليه وسلم ليتأسى به فيها ، إذ لا يخلو شيء من أفعاله عن حكمة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية ) أي جواز ذلك ، والموسم بفتح الميم وسكون الواو وكسر المهملة ، قال الأزهري سمي بذلك لأنه معلم يجتمع إليه الناس مشتق من السمة وهي العلامة ، وذكر في حديث الباب من أسواق الجاهلية اثنين وترك اثنين سنذكرهما إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عمرو بن دينار ) في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس ، عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن ابن عباس ) هذا هو المحفوظ ، ووقع عند الإسماعيلي ، عن المنيعي ، عن عثمان بن أبي شيبة [ ص: 695 ] عن يحيى بن أبي زائدة ، عن ابن جريج ، عن عمرو ، عن ابن الزبير ، قال الإسماعيلي : كذا في كتابي وعليه صح . قلت : وهو وهم من بعض رواته كأنه دخل عليه حديث في حديث ، فإن حديث ابن الزبير عند ابن عيينة ، وابن جريج ، عن عبيد الله بن أبي يزيد عنه وهو أخصر من سياق ابن عباس ، وقد رواه ابن عيينة ، عن عمرو ، عن ابن عباس ثم لم يختلف عليه في ذلك ، وكذلك رواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي زائدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كان ذو المجاز ) بفتح الميم وتخفيف الجيم وفي آخره زاي وهو بلفظ ضد الحقيقة ، وعكاظ بضم المهملة وتخفيف الكاف وفي آخره ظاء مشالة ، زاد ابن عيينة ، عن عمرو كما سيأتي في أوائل البيوع وفي تفسير البقرة " ومجنة " وهي بفتح الميم وكسر الجيم وتشديد النون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( متجر الناس في الجاهلية ) أي مكان تجارتهم وفي رواية ابن عيينة " أسواقا في الجاهلية " فأما ذو المجاز فذكر الفاكهي من طريق ابن إسحاق أنها كانت بناحية عرفة إلى جانبها ، وعند الأزرقي من طريق هشام بن الكلبي أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة ، ووقع في شرح الكرماني أنه كان بمنى وليس بشيء ، لما رواه الطبري عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى ، لكن سيأتي عن تخريج الحاكم خلاف ذلك . وأما عكاظ فعن ابن إسحاق أنها فيما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال له الفتق بضم الفاء والمثناة بعدها قاف ، وعن ابن الكلبي أنها كانت وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء ، وكانت لقيس وثقيف . وأما مجنة فعن ابن إسحاق أنها كانت بمر الظهران إلى جبل يقال له الأصغر ، وعن ابن الكلبي كانت بأسفل مكة على بريد منها غربي البيضاء وكانت لكنانة ، وذكر من أسواق العرب في الجاهلية أيضا حباشة بضم المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف معجمة ، وكانت في ديار بارق نحو قنونى بفتح القاف وبضم النون الخفيفة وبعد الواو نون مقصورة من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل ، قال وإنما لم يذكر هذه السوق في الحديث لأنها لم تكن من مواسم الحج ، وإنما كانت تقام في شهر رجب ، قال الفاكهي . ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أول ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة وآخر ما ترك منها سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة . ثم أسند عن ابن الكلبي أن كل شريف كان إنما يحضر سوق بلده إلا سوق عكاظ فإنهم كانوا يتوافون بها من كل جهة ، فكانت أعظم تلك الأسواق . وقد وقع ذكرها في أحاديث أخرى منها حديث ابن عباس : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ . الحديث في قصة الجن ، وقد مضى في الصلاة ويأتي في التفسير . وروى الزبير بن بكار في : " كتاب النسب " من طريق حكيم بن حزام أنها كانت تقام صبح هلال ذي القعدة إلى أن يمضي عشرون يوما ، قال : ثم يقام سوق مجنة عشرة أيام إلى هلال ذي الحجة ، ثم يقوم سوق ذي المجاز ثمانية أيام ، ثم يتوجهون إلى منى للحج . وفي حديث أبي الزبير ، عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالات ربه . الحديث أخرجه أحمد وغيره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كأنهم ) أي المسلمين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كرهوا ذلك ) في رواية ابن عيينة " فكأنهم تأثموا " أي خشوا من الوقوع في الإثم للاشتغال في أيام النسك بغير العبادة ، وأخرج الحاكم في : " المستدرك " من طريق عطاء ، عن عبيد بن عمير عن ابن [ ص: 696 ] عباس " إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج ، فخافوا البيع وهم حرم ، فأنزل الله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج " قال فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرؤها في المصحف ، ولأبي داود ، وإسحاق بن راهويه من طريق مجاهد عن ابن عباس " كانوا لا يتجرون بمنى ، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات " وقرأ هذه الآية ، وأخرجه إسحاق في مسنده من هذا الوجه بلفظ " كانوا يمنعون البيع والتجارة في أيام الموسم يقولون : إنها أيام ذكر ، فنزلت " وله من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس " كانوا يكرهون أن يدخلوا في حجهم التجارة حتى نزلت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى نزلت إلخ ) سيأتي في تفسير البقرة عن ابن عمر قول آخر في سبب نزولها .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( في مواسم الحج ) قال الكرماني : هو كلام الراوي ذكره تفسيرا . انتهى . وفاته ما زاده المصنف في آخر حديث ابن عيينة في البيوع " قرأها ابن عباس " ورواه ابن عمر في مسنده عن ابن عيينة وقال في آخره " وكذلك كان ابن عباس يقرؤها " وروى الطبري بإسناد صحيح عن أيوب ، عن عكرمة أنه كان يقرؤها كذلك ، فهي على هذا من القراءة الشاذة وحكمها عند الأئمة حكم التفسير ، واستدل بهذا الحديث على جواز البيع والشراء للمعتكف قياسا على الحج ، والجامع بينهما العبادة ، وهو قول الجمهور . وعن مالك كراهة ما زاد على الحاجة كالخبز إذا لم يجد من يكفيه ، وكذا كرهه عطاء ، ومجاهد ، والزهري ، ولا ريب أنه خلاف الأولى ، والآية إنما نفت الجناح ولا يلزم من نفيه نفي أولوية مقابله . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية