الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( مركب العبد المأذون ) والمكاتب ( ليس لمولاه في حق اليمين إلا ) بشرطين ( إذا لم يكن دينه مستغرقا و ) قد ( نواه ) فحينئذ يحنث ( حلف لا يركب فاليمين على ما يركبه الناس ) عرفا من فرس وحمار ( فلو ركب ظهر إنسان ) أو بعيرا أو بقرة أو فيلا ( لا يحنث ) استحسانا إلا بالنية ظهيرية .

[ ص: 765 ] قلت : وينبغي حنثه بالبعير في مصر والشام وبالفيل في الهند للتعارف قاله المصنف ، ولو حمل على الدابة مكرها فلا حنث كحلفه لا يركب فرسا فركب برذونا أو بعكسه لأن الفرس اسم للعربي والبرذون اسم للعجمي ، والخيل يعم هذا لو يمينه بالعربية ، ولو بالفارسية حنث بكل حال ، ولو حلف لا يركب أو لا يركب مركبا حنث بكل مركب سفينة أو محملا أو دابة سوى الآدمي ، وسيجيء ما لو حلف لا يركب حيوانا أو دابة .

التالي السابق


مطلب لا يركب دابة فلان

( قوله مركب العبد المأذون إلخ ) يعني لو حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده فإنه يحنث بشرطين : الأول أن ينويها . الثاني : أن لا يكون عليه دين مستغرق ، أما إذا كان عليه دين مستغرق لا يحنث وإن نوى لأنه لا ملك للمولى فيه عند أبي حنيفة ، وإن كان الدين غير مستغرق أو لم يكن عليه دين لا يحنث ما لم ينوه لأن الملك فيه للمولى لكنه يضاف للعبد عرفا وكذا شرعا قال صلى الله عليه وسلم { من باع عبدا وله مال } الحديث فتختل الإضافة إلى المولى فلا بد من النية ، وقال أبو يوسف في الوجوه كلها يحنث وإن لم ينو لاعتبار حقيقة الملك إذ الدين لا يمنع وقوعه للسيد عندهما هداية .

قلت : وبه ظهر أن التقييد بالمأذون لأنه محل الخلاف فيحنث في غير المأذون إذا نواه بالأولى اتفاقا ( قوله والمكاتب ) لم أر من ذكره هنا ، ولا يتأتى فيه هذا التفصيل وإنما قال في البحر عن المحيط ولو ركب دابة مكاتبه لا يحنث لأن ملكه ليس بمضاف إلى المولى لا ذاتا ولا يدا ا هـ ومقتضاه أنه لا يحنث وإن نواه اتفاقا لأن دابته ملك له لا لمولاه ولذا يضمنها المولى بالإتلاف ، سواء كان عليه دين أو لا فتدبر . ثم رأيت القهستاني قال : والإضافة إلى المأذون تشير إلى أنه لو ركب مركب المكاتب لم يحنث ( قوله لا يحنث استحسانا ) أي وإن كان اسم الدابة لما يدب على الأرض إذا قال دابة فلان لأن العرف خصصه بالركوب المعتاد والمعتاد هو الحمار والبغل والفرس ، فيقيد به وإن كان الجمل مما يركب أيضا في الأسفار وبعض الأوقات فلا يحنث بالجمل إلا إذا نواه ، وكذا الفيل والبقر إذا نواه حنث وإلا لا ، وينبغي إن كان الحالف من البدو أن ينعقد على الجمل أيضا بلا نية لأن ركوبه معتاد لهم ، وكذا إن كان حضريا جمالا والمحلوف على دابته جمال دخل في يمينه بلا نية ، وإذا كان مقتضى اللفظ انعقادها على الأنواع الثلاثة ، فلو نوى بعضها دون بعض بأن نوى الحمار دون الفرس مثلا لا يصدق ديانة ولا قضاء لأن نية الخصوص لا تصح في غير اللفظ ، وسيأتي تمامه في الفصل الآتي كذا في الفتح .

قلت : أي لأن المحمول على العرف هو لفظ أركب لا لفظ دابة فإن لفظ دابة يشمل الكل عرفا ولغة وإنما خصص العرف لفظ أركب بهذه الأنواع الثلاثة ، فلو نوى بعضها لم يصح لأنه تخصيص الفعل ولا عموم له وسيأتي تمامه ، ثم حيث كان المدار على العرف المعتاد فينبغي أن الحالف لو كان ليس ممن يركب الحمار أن لا يحنث [ ص: 765 ] بالحمار وأنه لو كان الحالف مسافرا أن يحنث بالجمل بلا نية ( قوله وينبغي حنثه بالبعير إلخ ) أي إذا كان ممن يركب البعير كالمسافر والجمال وأهل البدو كما عرف مما نقلناه عن الفتح ( قوله ولو حمل إلخ ) أما لو أكره على الركوب فركب حنث ط ( قوله ولو حلف لا يركب أو لا يركب مركبا ) كذا في بعض النسخ ومثله في البحر عن الظهيرية وكذا في الخانية وهو المخالف لقول المصنف المار قريبا فاليمين على ما يركبه الناس ، نعم في بعض حلف لا يركب مركبا ومثله في النهر ، وفي التتارخانية حلف لا يركب مركبا فركب سفينة قال الحسن في المجرد لا يحنث وعليه الفتوى ا هـ لكن العرف الآن المركب خاص بالسفينة فينبغي أن لا يحنث بغيرها ( قوله وسيجيء ) أي قريبا في الباب الآتي ، والله سبحانه أعلم .




الخدمات العلمية