الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي ، وحدثنا سليمان ، ثنا إسحاق ، ثنا عبد الرزاق ، قال : ثنا عكرمة بن عمار ، ثنا أبو زميل الحنفي ، عن عبد الله بن عباس ، قال : لما اعتزلت الحرورية قلت لعلي : يا أمير المؤمنين أبرد عني الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم ، قال : إني أتخوفهم عليك ، قال : قلت : كلا إن شاء الله ، فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية ، ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة ، فدخلت على قوم فلم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم ، أيديهم كأنها ثفن إبل ، ووجوههم مقلبة من آثار السجود ، قال : فدخلت ، فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ما جاء بك ؟ قال : جئت أحدثكم : على أصحاب رسول الله صلى الله [ ص: 319 ] عليه وسلم نزل الوحي وهم أعلم بتأويله ، فقال بعضهم : لا تحدثوه ، وقال بعضهم : لنحدثنه ، قال : قلت : أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأول من آمن به وأصحاب رسول الله معه ؟ قالوا : ننقم عليه ثلاثا ، قلت : وما هن ؟ قالوا : أولاهن أنه حكم الرجال في دين الله ، وقد قال الله عز وجل : ( إن الحكم إلا لله ) . قال : قلت : وماذا ؟ قالوا : قاتل ولم يسب ولم يغنم ، لئن كانوا كفارا لقد حلت له أموالهم ، وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم ، قال : قلت : وماذا ؟ قالوا : ومحا نفسه عن أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين ، قال : قلت : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم ، وحدثتكم من سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون ، أترجعون ؟ قالوا : نعم ، قال : قلت : أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله فإنه يقول : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء ) إلى قوله : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) ، وقال في المرأة وزوجها : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) ، أنشدكم الله أفحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟ فقالوا : اللهم في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم ، قال : أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم ! [قال] : وأما قولكم : إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، أتسبون أمكم ، ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ؟ فقد كفرتم ، وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام ، إن الله عز وجل يقول : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) . فأنتم تترددون بين ضلالتين فاختاروا أيهما شئتم ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم ! قال : وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا ، فقال : " اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله " فقالوا : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، قال : " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب يا علي : محمد بن عبد الله " فرسول الله كان [ ص: 320 ] أفضل من علي ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم ! فرجع منهم عشرون ألفا ، وبقي أربعة آلاف فقتلوا .

              حدثنا محمد بن علي بن حبيش ، ثنا إبراهيم بن شريك الأسدي ، ثنا عقبة بن مكرم ، ثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير أن معاوية كتب إلى ابن عباس يسأله ، عن ثلاثة أشياء ، وقال : إن هرقل كتب إلى معاوية يسأله عنهن ، فقال معاوية : فمن لهذا ؟ قيل : ابن عباس ، فكتب إلى ابن عباس يسأله عن المجرة ، وعن القوس ، وعن مكان من الأرض طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ذلك اليوم ولا بعده ، فقال ابن عباس : أما المجرة فباب السماء الذي تنشق منه ، وأما القوس فأمان لأهل الأرض من الغرق ، وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ذلك اليوم ولا بعده فالمكان الذي انفرج من البحر لبني إسرائيل .

              حدثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، ثنا إبراهيم بن حمزة ، عن حمزة بن أبي محمد ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أن رجلا أتاه يسأله ، عن السماوات والأرض ( كانتا رتقا ففتقناهما ) . قال : اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله ثم تعال فأخبرني ما قال ، فذهب إلى ابن عباس فسأله فقال ابن عباس : كانت السماوات رتقا لا تمطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت ، ففتق هذه بالمطر ، وفتق هذه بالنبات ، فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره فقال : إن ابن عباس قد أوتي علما ، صدق هكذا كانتا ، ثم قال ابن عمر : قد كنت أقول : ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن ، فالآن قد علمت أنه قد أوتي علما .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية