الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الكنائس والبيع القديمة فلا يتعرض لها ولا يهدم شيء منها .

                                                                                                                                ( وأما ) إحداث كنيسة أخرى فيمنعون عنه فيما صار مصرا من أمصار المسلمين ; لقوله عليه الصلاة والسلام { : لا كنيسة في الإسلام إلا في دار الإسلام } .

                                                                                                                                ولو انهدمت كنيسة فلهم أن يبنوها كما كانت ; لأن لهذا البناء حكم البقاء ، ولهم أن يستبقوها فلهم أن يبنوها ، وليس لهم أن يحولوها من موضع إلى موضع آخر ; لأن التحويل من موضع إلى موضع آخر في حكم إحداث كنيسة أخرى .

                                                                                                                                ( وأما ) في القرى أو في موضع ليس من أمصار المسلمين فلا يمنعون من إحداث الكنائس والبيع ، كما لا يمنعون من إظهار بيع الخمور والخنازير لما بينا ولو ظهر الإمام على قوم من أهل الحرب فرأى أن يجعلهم ذمة ، ويضع على رءوسهم الجزية .

                                                                                                                                وعلى أراضيهم الخراج ، لا يمنعون من اتخاذ الكنائس والبيع ، وإظهار بيع الخمر والخنزير ; لأن الممنوع إظهار شعائر الكفر في مكان إظهار شعائر الإسلام ، وهو أمصار المسلمين ، ولم يوجد بخلاف ما إذا صاروا ذمة بالصلح ، بأن طلب قوم من أهل الحرب منا أن يصيروا ذمة يؤدون عن رقابهم وأراضيهم شيئا معلوما ، ونجري عليهم أحكام الإسلام فصالحناهم على ذلك ، فكانت أراضيهم مثل أراضي الشام مدائن وقرى ، ورساتيق وأمصارا ، إنه لا يتعرض لكنائسهم القديمة ، ولكنهم لو أرادوا أن يحدثوا شيئا منها يمنعوا من ذلك ; لأنها صارت مصرا من أمصار المسلمين .

                                                                                                                                وإحداث الكنيسة في مصر من أمصار المسلمين ممنوع عنه شرعا فإن مصر الإمام مصرا للمسلمين ، كما مصر سيدنا عمر رضي الله عنه الكوفة والبصرة ، فاشترى قوم من أهل الذمة دورا ، وأرادوا أن يتخذوا فيها كنائس لا يمكنوا من ذلك لما قلنا ، وكذلك لو تخلى رجل في صومعته منع من ذلك ; لأن ذلك في معنى اتخاذ الكنيسة ، وكل مصر من أمصار المشركين ظهر عليه الإمام عنوة ، وجعلهم ذمة فما كان فيه كنيسة قديمة منعهم من الصلاة في تلك الكنائس ; لأنه لما فتح عنوة فقد استحقه المسلمون ، فيمنعهم من الصلاة فيها ، ويأمرهم أن يتخذوها مساكن ، ولا ينبغي أن يهدمها وكذلك كل قرية جعلها الإمام مصرا ، ولو عطل الإمام هذا المصر وتركوا إقامة الجمع والأعياد والحدود فيه ، كان لأهل القرية أن يحدثوا ما شاءوا ; لأنه عاد قرية كما كانت نصرانية تحت مسلم لا يمكنها من نصب الصليب في بيته ; لأن نصب الصليب كنصب الصنم ، وتصلي في بيته حيث شاءت هذا الذي ذكرنا حكم أرض العجم .

                                                                                                                                ( وأما ) أرض العرب فلا يترك فيها كنيسة ، ولا بيعة ولا يباع فيها الخمر والخنزير مصرا كان أو قرية ، أو ماء من مياه العرب ، ويمنع المشركون أن يتخذوا أرض العرب مسكنا ووطنا كذا ذكره محمد تفضيلا لأرض العرب على غيرها ، وتطهيرا لها عن الدين الباطل قال عليه الصلاة والسلام { : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب } .

                                                                                                                                وأما الالتجاء إلى الحرم فإن الحربي إذا التجأ إلى الحرم ، لا يباح قتله في الحرم ، ولكن لا يطعم ولا يسقى ولا يؤوى ، ولا يبايع حتى يخرج من الحرم وعند الشافعي - رحمه الله : يقتل في الحرم أصحابنا فيما بينهم قال أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله : لا يقتل في الحرم ، ولا يخرج منه أيضا وقال أبو يوسف - رحمه الله : لا يباح قتله في الحرم ، ولكن يباح إخراجه من الحرم للشافعي - رحمه الله قوله تبارك وتعالى { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وحيث يعبر به عن المكان ، فكان هذا إباحة لقتل المشركين في الأماكن كلها .

                                                                                                                                ( ولنا ) قوله - تبارك وتعالى - { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } إذا دخل ملتجئا ، أما إذا دخل مكابرا أو مقاتلا يقتل ; لقوله تعالى { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ولأنه لما دخل مقاتلا فقد هتك حرمة الحرم ، فيقتل تلافيا للهتك زجرا لغيره عن الهتك وكذلك لو دخل قوم من أهل الحرب للقتال ، فإنهم يقتلون ، ولو انهزموا من المسلمين فلا شيء على المسلمين في قتلهم وأسرهم والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية