الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( الثاني ) من المحرمات ( استعمال الطيب ) للرجل وغيره ( في ثوبه ) كأن يشد نحو مسك وعنبر بطرفه أو يجعله في جيبه أو يلبس حليا محشوا به لم يصمت وكثوبه سائر ملبوسه حتى أسفل نعله إن علق به شيء من عين الطيب للنهي الصحيح عن لبس ما مسه ورس أو زعفران وهما طيب فهو ما ظهر منه غرض التطيب وقصد منه غالبا كمسك وكافور حي أو ميت كما شمله كلامهم وعنبر وعود وورد وياسمين ونيلوفر ونرجس وريحان فارسي وغيره وآس وبنفسج [ ص: 167 ] ونمام ودهن نحو أترج بأن أغلي فيه ، وإن كان الأترج غير طيب إذ لا تلازم بينهما بخلاف ما ليس كذلك نحو شيح وقيصوم وأترج وتفاح وعصفر وحناء وقرنفل وسنبل ومصطكى خلافا لمن وهم فيه وسائر الأبازير الطيبة الرائحة ؛ لأن القصد منها الدواء ، وإصلاح الأطعمة غالبا .

                                                                                                                              ( أو بدنه ) كالثوب بل أولى وسواء الأخشم وغيره لحصول ترفهه بشم غيره لريحه الطيب وظاهر البدن وباطنه كأن أكل ما ظهر فيه طعم الطيب المختلط به أو ريحه لا لونه أو احتقن أو استعط به ثم استعماله المؤثر هنا هو أن يلصقه ببدنه أو نحو ثوبه على الوجه المعتاد فيه لا بالنسبة لمحله فلا يرد نحو الاحتقان به خلافا لمن نازع فيه ، وأن يحتوي على مجمرة أو يقرب منها وعلق ببدنه أو ثوبه عين البخور لا أثره ؛ لأن التبخر إلصاق بعين الطيب إذ بخاره ودخانه عين أجزائه ، وإنما لم يؤثر في الماء كما مر ؛ لأنه لا يعد ثم عينا مغيرة ، وإنما الحاصل منه تروح محض لا حمل نحو مسك في نحو خرقة مشدودة بخلاف حمل نحو فارة مسك مشقوقة الرأس أو قارورة مفتوحة الرأس [ ص: 168 ] ويفرق بأن الشد صارف عن قصد التطيب به والفتح مع الحمل يصيره بمنزلة الملصق ببدنه ولا أثر لعبق ريح من غير عين وفارق ما مر في أكل ما ظهر ريحه فقط بأن ذاك فيه استعمال عين الطيب ولو خفيت رائحته كالكاذي والفاغية وهي ثمر الحناء فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت حرم ، وإلا فلا وشرط ابن كج في الرياحين أن يأخذها بيده ويشمها أو يضع أنفه عليها للشم وشرط الإثم في المحرمات كلها العقل إلا السكران المتعدي بسكره وعلم الإحرام والتحريم أو التقصير في التعلم والتعمد والاختيار وكذا في الفدية إلا نحو الحلق أو الصيد كما يأتي ؛ لأنهما إتلاف محض بخلاف غيرهما ويلزم ناسيا تذكر وجاهلا علم ومكرها زال إكراهه إزالته فورا ، وإلا لزمته الفدية ، والأولى أمر غيره الحلال بها إن تعينت الفورية ، ولو جهل كون الممسوس طيبا أو علم وظنه يابسا لا يعلق فعلق فلا فدية فالشرط هنا زيادة على ما مر العلم بأن الممسوس طيب يعلق .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : وريحان فارسي ) أطلقه الرملي ولم يقيده بالفارسي وفي شرح الروض وخرج بالفارسي المغربي . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : [ ص: 167 ] وظاهر البدن إلخ ) عطف على الأخشم شرح م ر ( قوله : وعلق ببدنه أو ثوبه عين البخور لا أثره ) أي كالرائحة وعبارة شرح الإرشاد الصغير فعبق الريح وحده لا يضر بالأولى إلا إن كان من مجمرة فمتى عبقت به عين الريح بأن وصل إليه دخانه أو بخاره ضر ، سواء أجعلها تحته أم بقربه ، وإن لم يعبق به عينه لم يضر كذا شرح م ر ، وإن [ ص: 168 ] كانت تحته كما دل عليه كلام الغزالي والماء المبخر إن عبقت به العين حرم ، وإلا فلا . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ويفرق بأن الشد صارف عن قصد التطيب به ) قد يؤخذ منه الحرمة لو كانت الخرقة المشدودة مما يقصد التطيب بما فيها لرقتها بحيث لا تمنع ظهور الرائحة ، وإنما تشد عليه لمنع تبدد رائحته م ر .

                                                                                                                              ( قوله : إلا نحو الحلق أو الصيد ) سيأتي فيهما أنه لا فدية على مجنون ولا مغمى عليه ولا نائم ولا غير مميز ( قوله : إلا نحو الحلق إلخ ) قضيته وجوب فديته مع الإكراه وسيأتي خلافه . ( قوله : ومكرها زال إكراهه ) ومثله من ألقي عليه الطيب ولو بنحو ريح ( قوله : إزالته ) ، وإنما جاز دفع ما ألقي عليه بنفسه ، وإن استلزم المماسة وطال زمنها ؛ لأن قصده الإزالة ولذا جاز نزع الثوب ولم يلزمه شقه ، وإن تعدى بلبسه كما اقتضاه إطلاقهم وظاهر قولهم ولم يلزمه الجواز ، وإن نقص ويوجه بالمبادرة للخروج من المعصية به شرح م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( استعمال الطيب إلخ ) أي ، وإن كان لا يدركه الطرف إذا ظهر له ريح نهاية ومغني ( قوله : للرجل ) إلى قوله ؛ لأن التبخر في النهاية والمغني إلا قوله لم يصمت وقوله : حي إلى وعنبر وقوله : ونيلوفر ، وقوله : لا بالنسبة إلى ، وأن يحتوي ( قوله : نحو مسك ) أي كورس وهو أشهر طيب ببلاد اليمن وزعفران ، وإن كان يطلب للصبغ والتداوي مغني نهاية ( قوله : فهو إلخ ) أي الطيب ( قوله : وقصد منه غالبا ) أي ولو مع غيره نهاية ومغني عبارة الونائي فيحرم عليه التطيب بما تقصد رائحته أو بما فيه ذلك إن بقي طعمه أو ريحه ولو بالقوة كأن تظهر برش الماء عليه دون لونه والمراد بما تقصد رائحته أن يكون معظم المقصود منه ذلك ، وإن لم يسم طيبا أو يظهر فيه هذا الغرض . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : كمسك إلخ ) أي والبعيثران والبان والسوسن والمنثور نهاية أي واللبان الجاوي أي البخور الجاوي كما نقله ابن الجمال عن الأكثرين ونائي ( قوله : ولينوفر ) كذا في أصله رحمه الله تعالى بتقديم اللام والذي في الحاشية نيلوفر بنون فتحتية ويسمى نينوفر بنونين بينهما تحتية . انتهى . وهذا هو الموافق لذكر الأطباء له في حرف النون بصري ( قوله : وريحان ) أطلقه النهاية وقيده المغني تبعا للروض بالفارسي وقال الأسنى وخرج بالفارسي العربي ( قوله : وآس وبنفسج إلخ ) وشرط الرياحين كونها رطبة وفي المجموع عن النص أن الكاذي ولو يابسا طيب ولعله أنواع ويكون ذلك من نوع إذا رش عليه ماء ظهر ريحه [ ص: 167 ] نهاية ( قوله : ودهن نحو أترج ) بضم الهمزة والراء وتشديد الجيم أفصح ، وأشهر من ترنج ويقال له أترنج أسنى ومغني ( قوله : نحو شيح إلخ ) أي مما ينبت بنفسه كالإذخر والخزامي مغني ، وأسنى ( قوله : وأترج إلخ ) أي وشقائق ونور نحو التفاح والأترنج والنارنج والكمثرى نهاية ( قوله : وعصفر وحناء ) أي ، وإن كان لهما رائحة طيبة ؛ لأنه إنما يقصد منه لونه أسنى ( قوله : وقرنفل إلخ ) أي وقرفا ودار صيني نهاية ( قوله : وإصلاح الأطعمة ) كذا في أصله رحمه الله تعالى بالواو ولعل الأنسب أو ؛ لأن تحقق كل من المذكورين في كل واحد مما مر محل تأمل بصري . ( قوله : كالثوب ) أي قياسا على الثوب نهاية ومغني ( قوله : سواء الأخشم إلخ ) راجع للمعطوفين معا ( قوله : وظاهر البدن ) عطف على الأخشم .

                                                                                                                              ( فرع ) وقع على بدنه طيب لو أزاله ذهبت ماليته ينبغي جواز إبقائه مع الفدية م ر ا هـ سم وقد يتوقف فيه بمخالفته لظاهر إطلاقهم الإزالة بصري أقول ويوافق ما نقله سم عن م ر قول الونائي ما نصه نعم إن لم يعص به أي التطيب وكان في غسله فورا ذهاب أو نقص ماليته لا بالتراخي فالأقرب اغتفار التراخي قاله في الحاشية . ا هـ . وظاهره عدم لزوم الفدية بالتراخي أيضا ( قوله : وباطنه ) وهو داخل الجوف ع ش ( قوله : كأن أكل إلخ ) أي أو أدخل في الإحليل نهاية .

                                                                                                                              ( قوله : أو ريحه ) أي ولو خفيا يظهر برش الماء عليه مغني ( قوله : هو أن يلصقه ببدنه إلخ ) ولا يضر وضعه بين يديه على هيئته المعتادة وشمه ولا شم ماء الورد إذ التطيب به ، وإن كان فيه نحو مسك إنما يكون بصبه على بدنه أو ثوبه ولا حمل العود ، وأكله نهاية ( قوله : أو نحو ثوبه إلخ ) والماء المبخر إن عبقت به العين حرم شربه ، وإلا فلا ونائي ونهاية ( قوله : نحو الاحتقان ) أي كالإدخال في الإحليل ، وأكل ما ظهر فيه طعم الطيب المختلط به ( وأن يحتوي على مجمرة إلخ ) وتجب الفدية أيضا بسبب نوم أو جلوس أو وقوف بفراش أو مكان مطيب بغير الرياحين وقد عبق ببدنه أو ملبوسه بعض عين الطيب ، وإلا بأن كان ثم حائل يمنع ، وإن رق فلا فدية لكنه يكره وتجب أيضا بسبب توان من قادر في دفع ما ألقي عليه من الطيب بريح أو غيره أو بتطييب غيره له بغير إذنه وقدرته على الدفع ولا كراهة في إزالته بنفسه ، وإن لزمته المماسة وطال زمنها ، وأمكنه الإزالة من غير مماسة كما في الحاشية ؛ لأن قصده الإزالة ومن ثم جاز له نزع الثوب من رأسه ولم يلزمه شقه أما إذا لم يتمكن من الدفع كزمن لم يجد من يرضى بأجرة مثل أو يرضى بها ولم تفضل عما يعتبر في الفطرة فلا فدية ولو توقفت إزالته على الماء ولم يجد إلا ماء يكفيه لطهره فإن كان مستعمله يكفيه لإزالته قدم الطهر ثم يجمع ماءه ويغسل به الطيب ، وإن لم يكف قدمها سواء عصى بالتطيب أم لا ويتيمم ونائي وفي النهاية ما يوافقه ( قوله : لا أثره ) أي كالرائحة وعبارة شرح الإرشاد الصغير فعبق الريح وحده لا يضر بالأولى إلا إن كان من محرمة فمتى عبقت به عين الريح بأن وصل دخانه أو بخاره ضر سواء أجعلها تحته أم بقربه ، وإن لم يعبق به عينه لم يضر ، وإن كانت تحته كما دل عليه كلام الغزالي والماء المبخر إن عبقت به العين حرم ، وإلا فلا انتهت . ا هـ .

                                                                                                                              سم وفي النهاية والمغني ما يوافقها ( قوله : لا حمل ) إلى المتن في النهاية إلا قوله ويفرق إلى ولو خفيت وقوله : لا نحو الحلق إلى ويلزم وكذا في المغني إلا قوله والأولى إلى ولو جهل ( قوله : كما مر ) أي في باب الطهارة ( قوله : لا حمل نحو مسك ) عطف على قوله أن يلصقه أي استعماله المؤثر إلصاقه ببدنه إلخ لا حمل مثل مسك إلخ كردي عبارة الونائي ولا فدية بسبب حمل الطيب كمسك بخرقة كيس أو غيره شدت عليه أو بقارورة مصممة الرأس ولا بسبب حمل المسك في فارة لم تشق عنه أو الورد في نحو منديل ، وإن شم الريح في الكيل وقصد التطيب على الأوجه إلا إن رقت الخرقة ولا يضر أيضا شم نحو مسك من غير مس ولا مسه إلا إن لزق به شيء من عينه أو حمله بنحو يده لم يقصد به مجرد النقل كذا في الفتح وقال في الحاشية وشرح العباب والنهاية وقصر الزمن بحيث لا يعد في العرف تطيبا . انتهى . ولا يكره للمحرم تملك طيب ونحوه كملبوس ودهن . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أو قارورة إلخ ) أي حمل [ ص: 168 ] قارورة لنحو مسك ( قوله : ويفرق بأن الشك صارف إلخ ) قد يؤخذ منه الحرمة لو كانت الخرقة المشدودة مما يقصد التطيب بما فيها لرقتها بحيث لا تمنع ظهور الرائحة ، وإنما تشد عليه لمنع تبدد رائحته م ر . ا هـ سم وتقدم عن الونائي الجزم بذلك .

                                                                                                                              ( قوله : لعبق ريح إلخ ) لنحو مسه وهو يابس أو جلوسه في دكان عطار أو عند متجمر نهاية ( قوله : كالكاذي ) عبارة الونائي وبشم الرياحين الرطبة إن ألصقها بأنفه ، وإلا فلا يضر كالرياحين اليابسة نعم الكاذي بالمعجمة ولو يابسا طيب لكن الذي بمكة لا طيب في يابسه ألبتة ، وإن رش عليه ماء كما في الفتح . ا هـ . ( قوله : وشرط ابن كج إلخ ) عبارة المغني والتطيب بالورد أن يشمه مع اتصاله بأنفه كما صرح به ابن كج والتطيب بمائه أن يمسه كالعادة بأن يصبه على بدنه أو ملبوسه فلا يكفي شمه . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : والتحريم إلخ ) أي ، وإن جهل وجوب الفدية في كل أنواعه أو جهل الحرمة في بعضها بخلاف الجاهل بالتحريم أو بكونه طيبا فلا حرمة ولا فدية نهاية ( قوله : أو التقصير ) قال القاضي أبو الطيب ولو ادعى في زماننا الجهل بتحريم الطيب واللبس أي والدهن ففي قبوله وجهان . انتهى .

                                                                                                                              والأوجه عدمه إن كان مخالطا للعلماء بحيث لا يخفى عليه ذلك عادة ، وإلا قبل ولو لطخه غيره بطيب فالفدية على الملطخ أي وكذا عليه إن توانى في إزالته وتجب بنقل طيب أحرم بعده مع بقاء عينه لا إن انتقل بواسطة نحو عرق أو حركة نهاية زاد الونائي وتجب أيضا بسبب لبس ثان لثوب طيب لإحرام وبقي الطيب بأن نزعه ثم لبسه . ا هـ . قال ع ش قوله : م ر ولو لطخه غيره إلخ أي بغير اختياره وللمحرم مطالبة المطيب بالفدية . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : والتعمد إلخ ) أي فلا فدية على المطيب الناسي للإحرام ولا المكره ولا الجاهل بالتحريم أو بكون الملموس طيبا أو رطبا لعذره بخلاف الجاهل بوجوب الفدية دون التحريم فعليه الفدية ؛ لأنه إذا علم التحريم كان من حقه الامتناع مغني ( قوله : إلا نحو الحلق إلخ ) قضيته وجوب فديته مع الإكراه وسيأتي خلافه وسيأتي فيهما أيضا أنه لا فدية على مجنون ولا مغمى عليه ولا نائم ولا غير مميز سم أقول ، وإلى دفع نحو تلك القضية أشار الشارح بقوله كما يأتي ( قوله : ناسيا تذكر إلخ ) أي ونحو مجنون زال نحو جنونه ( قوله : ومكرها إلخ ) ومثله من ألقي عليه الطيب ، ولو بنحو ريح سم ( قوله : والأولى أمر غيره إلخ ) وفي الجواهر أنه لا يكره للمحرم شراء الطيب ومخيط ، وأمة . انتهى .

                                                                                                                              وبما أطلقه في الأمة أفتى البارزي لكن قال الجرجاني يكره له شراؤها وظاهره عدم الفرق بين من للخدمة والتسري ووجه بأنها بالقصد تتأهل للفراش نهاية قال ع ش قوله : م ر لكن قال الجرجاني إلخ هو المعتمد . ا هـ . .




                                                                                                                              الخدمات العلمية