الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي ماله عليه فلزمه ثم فر منه الغريم لم يحنث ; لأنه عقد يمينه على فعل نفسه في المفارقة وهو ما فارق غريمه إنما الغريم هو الذي فارقه ، وكذلك لو كابره حتى انفلت منه ; لأنه يقصد بيمينه منع نفسه عما في وسعه دون ما ليس في وسعه .

( قال ) : ولو أن المطلوب أحال بالمال على رجل وأبرأه الطالب منه ثم فارقه لم يحنث عند محمد وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى وفي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يحنث ; لأن ما جعله غاية وهو استيفاء ماله عليه قد فات حين برئ المطلوب بالحوالة ، وقد بينا أن فوت الغاية عندهما يسقط اليمين لا إلى حنث خلافا لأبي يوسف رحمه الله تعالى كما في قوله لا أكلمك حتى يأذن لي فلان فإن نوى المال على المحال عليه ورجع الطالب إلى [ ص: 24 ] المطلوب لم يحنث أيضا ; لأن الحوالة تنفسخ بالتوى ولا يتبين أنها لم تكن وإنما تنفسخ الحوالة في حق حكم يحتمل الفسخ ، وسقوط اليمين لا يحتمل الفسخ فلهذا لا يعود اليمين بانفساخ الحوالة وإن لم يحل بالمال ولكنه قضاه وفارقه ثم وجده زيوفا أو بهرجة أو ستوقا فإن كان الغالب عليه الفضة لم يحنث ، وإن رده ; لأنه مستوف بالقبض ، ألا ترى أنه لو تجوز بها في الصرف والسلم جاز ؟ فتم شرط بره ثم انتقض قبضه بالرد فلا ينتقض به حكم البر ; لأنه لا يحتمل الانتقاض وإن كان الغالب النحاس كالستوقة فهو حانث ; لأنه ما صار مستوفيا حقه بالقبض ، ألا ترى أنه لو تجوز به في الصرف والسلم لا يجوز .

وإن استحق المقبوض من يده لم يحنث ; لأنه مستوف ، ألا ترى أنه لو أجازه المستحق بعد الافتراق في الصرف والسلم جاز ؟ ثم انتقض قبضه بالاستحقاق بعد حصول الاستيفاء وشرط البر لا يحتمل الانتقاض .

وإن حلف ليعطينه حقه عن قريب فهو وقوله عاجلا سواء ، وإن نوى وقتا فهو على ما نوى ; لأن الدنيا كلها قريب عاجل ، وإن لم يكن له نية فهو على أقل من شهر استحسانا وقد بينا هذا .

وإن حلف أن لا يحبس عنه من حقه شيئا ولا نية له فينبغي أن يعطيه ساعة حلف ; لأن الحبس عبارة عن التأخير فإن لم يؤخره بعد الحلف لم يكن حابسا ، وإن أخره كان حابسا ولكن الحبس قد يطول ويقصر فإن حاسبه فأعطاه كل شيء له عنده وأقر بذلك الطالب ثم أتاه بعد ذلك بأيام فقال : بقي لي عندك كذا من قبل كذا فذكر المطلوب ذلك وقد كان نسيا ذلك جميعا لم يحنث إذا أعطاه ساعتئذ ، أو قال له : خذه ; لأن الحبس لا يتحقق فيما لا يكون معلوما لهما وبعد التذكر لم يحبسه ولكنه أعطاه بالمناولة أو التخلية بينه وبينه فلهذا لم يحنث .

التالي السابق


الخدمات العلمية