الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1693 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن حبيب المعلم عن عطاء حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة وكان علي قدم من اليمن ومعه الهدي فقال أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة يطوفوا بالبيت ثم يقصروا ويحلوا إلا من معه الهدي فقالوا ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت وأن عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت قال فلما طهرت وطافت قالت يا رسول الله أتنطلقون بعمرة وحجة وأنطلق بالحج فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة وأن سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالعقبة وهو يرميها فقال ألكم هذه خاصة يا رسول الله قال لا بل للأبد

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عطاء ) هو ابن أبي رباح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة ) هذا مخالف لما رواه أحمد ، ومسلم وغيرهما من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة : أن الهدي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر وذوي اليسار . وسيأتي بعد بابين للمصنف من طريق أفلح ، عن القاسم بلفظ " ورجال من أصحابه ذوي قوة " . ويجمع بينهما بأن كلا منهما ذكر من اطلع عليه ، وقد روى مسلم أيضا من طريق مسلم القري وهو بضم القاف وتشديد الراء عن ابن عباس في هذا الحديث " وكان طلحة ممن ساق الهدي فلم يحل " وهذا شاهد لحديث جابر في ذكر طلحة في ذلك وشاهد لحديث عائشة في أن طلحة لم ينفرد بذلك وداخل في قولها " وذوي اليسار " ولمسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر أن الزبير كان ممن كان معه الهدي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان علي قدم من اليمن ) في رواية ابن جريج ، عن عطاء عند مسلم " من سعايته " وسيأتي بيان ذلك في أواخر المغازي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر ، وعن ابن جريج ، عن طاوس ، عن ابن عباس في هذا الحديث عند المصنف في الشركة : فقال أحدهما يقول لبيك بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخر يقول لبيك بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن يقيم على إحرامه وأشركه في الهدي . وقد تقدم بيان ذلك في : " باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم " في أوائل الحج .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة ) زاد ابن جريج ، عن عطاء فيه [ ص: 712 ] " وأصيبوا النساء " قال عطاء ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم ، يعني إتيان النساء ، لأن من لازم الإحلال إباحة إتيان النساء ، وقد تقدم شرح ذلك في آخر " باب التمتع والقران " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأن عائشة حاضت ) في رواية عائشة نفسها كما تقدم أن حيضها كان بسرف قبل دخولهم مكة ، وفي رواية أبي الزبير ، عن جابر عند مسلم أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم عليها وشكواها ذلك له كان يوم التروية ، ووقع عند مسلم من طريق مجاهد ، عن عائشة أن طهرها كان بعرفة ، وفي رواية القاسم عنها " وطهرت صبيحة ليلة عرفة حتى قدمنا منى " ، وله من طريقه : فخرجت في حجتي حتى نزلنا منى فتطهرت ، ثم طفنا بالبيت " الحديث . واتفقت الروايات كلها حتى إنها طافت طواف الإفاضة من يوم النحر . واقتصر النووي في : " شرح مسلم " على النقل عن أبي محمد بن حزم أن عائشة حاضت يوم السبت ثالث ذي الحجة وطهرت يوم السبت عاشره يوم النحر ، وإنما أخذه ابن حزم من هذه الروايات التي في مسلم . ويجمع بين قول مجاهد وقول القاسم أنها رأت الطهر وهي بعرفة ولم تتهيأ للاغتسال إلا بعد أن نزلت منى ، أو انقطع الدم عنها بعرفة وما رأت الطهر إلا بعد أن نزلت منى ، وهذا أولى والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأنطلق بالحج ) تمسك به من قال إن عائشة لما حاضت تركت عمرتها واقتصرت على الحج ، وقد تقدم البحث فيه في : " باب التمتع والقران " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأن سراقة لقي النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهو يرميها ) يعني وهو يرمي جمرة العقبة ، وفي رواية يزيد بن زريع ، عن حبيب المعلم عند المصنف في كتاب التمني " وهو يرمي جمرة العقبة " هذا فيه بيان المكان الذي سأل فيه سراقة عن ذلك ، ورواية مسلم من طريق ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر كذلك ، وسياق مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر يقتضي أنه قال له ذلك لما أمر أصحابه أن يجعلوا حجهم عمرة ، وبذلك تمسك من قال إن سؤاله كان عن فسخ الحج عن العمرة ، ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين لتعدد المكانين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ألكم هذه خاصة يا رسول الله ، ؟ قال : لا ، بل للأبد ) في رواية يزيد بن زريع " ألنا هذه خاصة " وفي رواية جعفر عند مسلم : فقام سراقة فقال : يا رسول الله ، ، ألعامنا هذه أم للأبد ؟ فشبك أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين ، لا بل للأبد أبدا . قال النووي : معناه عند الجمهور أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إبطالا لما كان عليه الجاهلية ، وقيل معناه جواز القران أي دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج ، وقيل معناه سقط وجوب العمرة ، وهذا ضعيف لأنه يقتضي النسخ بغير دليل ، وقيل معناه جواز فسخ الحج إلى العمرة ، قال : وهو ضعيف . وتعقب بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل ، بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ والجواب وقع عما هو أعم من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة إلا الثالث ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية