الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه أخذ نبطيا قد سرق خواتم من حديد فحبسه ليقطع يده فأرسلت إليه عمرة بنت عبد الرحمن مولاة لها يقال لها أمية قال أبو بكر فجاءتني وأنا بين ظهراني الناس فقالت تقول لك خالتك عمرة يا ابن أختي أخذت نبطيا في شيء يسير ذكر لي فأردت قطع يده قلت نعم قالت فإن عمرة تقول لك لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا قال أبو بكر فأرسلت النبطي

                                                                                                          قال مالك والأمر المجتمع عليه عندنا في اعتراف العبيد أنه من اعترف منهم على نفسه بشيء يقع الحد فيه أو العقوبة فيه في جسده فإن اعترافه جائز عليه ولا يتهم أن يوقع على نفسه هذا قال مالك وأما من اعترف منهم بأمر يكون غرما على سيده فإن اعترافه غير جائز على سيده قال مالك ليس على الأجير ولا على الرجل يكونان مع القوم يخدمانهم إن سرقاهم قطع لأن حالهما ليست بحال السارق وإنما حالهما حال الخائن وليس على الخائن قطع قال مالك في الذي يستعير العارية فيجحدها إنه ليس عليه قطع وإنما مثل ذلك مثل رجل كان له على رجل دين فجحده ذلك فليس عليه فيما جحده قطع قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في السارق يوجد في البيت قد جمع المتاع ولم يخرج به إنه ليس عليه قطع وإنما مثل ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمرا ليشربها فلم يفعل فليس عليه حد ومثل ذلك رجل جلس من امرأة مجلسا وهو يريد أن يصيبها حراما فلم يفعل ولم يبلغ ذلك منها فليس عليه أيضا في ذلك حد قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أنه ليس في الخلسة قطع بلغ ثمنها ما يقطع فيه أو لم يبلغ

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1586 1528 [ ص: 261 ] - ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم ) الأنصاري قاضي المدينة ( أنه أخذ نبطيا ) بفتح النون والموحدة نسبة إلى النبط قرية من العجم ( قد سرق خواتم من حديد فحبسه ليقطع يده فأرسلت إليه عمرة بنت عبد الرحمن ) الأنصارية ( مولاة لها يقال لها أمية قال أبو بكر : فجاءتني ) أمية ( وأنا بين ظهراني ) بفتح النون ولا تكسر أي بين ( الناس ) وزيد ظهراني لإفادة أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهم .

                                                                                                          كأن المعنى أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فكأنه مكتوف من جانبيه هذا أصله ، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم وإن كان غير مكتوف بينهم ( فقالت : تقول لك خالتك عمرة يا ابن أختي أخذت نبطيا في شيء يسير ذكر لي فأردت قطع يده ، فقلت : نعم ، قالت : فإن عمرة تقول لك لا قطع إلا في ربع دينار ) ذهبا ( فصاعدا ) نصب على الحال المؤكدة ، وهذا قد روته عمرة عن عائشة مرفوعا في الصحيحين بنحوه كما مر .

                                                                                                          ( قال أبو بكر : فأرسلت النبطي ) أطلقته بلا قطع ; لأن الخواتم لا تساوي ذلك .

                                                                                                          ( قال مالك : والأمر المجتمع عليه عندنا في اعتراف العبيد ) بالسرقة ونحوها ( أن من اعترف منهم على نفسه بشيء تقع العقوبة أو الحد فيه على نفسه ) كاعترافه بزنى أو شرب ( فإن اعترافه جائز عليه ) لأنه مكلف ( ولا يتهم أن يوقع على نفسه ) أي جسده ( هذا ) أي الضرب أو القطع في السرقة ونحو ذلك .

                                                                                                          ( وأما من اعترف منهم بأمر يكون غرما ) بضم فسكون ( على سيده فإن اعترافه غير [ ص: 262 ] جائز على سيده ) لأن الإنسان لا يؤاخذ بإقرار غيره ( وليس على الأجير ولا على الرجل يكونان مع القوم يخدمانهم ) بضم الدال ( إن سرقاهم ) أي شيئا منهم ( قطع لأن حالهما ليست بحال السارق ) وهو من أخذ من موضع ممنوع من الوصول إليه ( وإنما حالهما حال الخائن ) وهو الذي خان ما جعل أمينا عليه ( وليس على الخائن قطع ) لأن النص إنما جاء في قطع السارق دونه .

                                                                                                          ( قال مالك في الذي يستعير العارية فيجحدها : إنه ليس عليه قطع ) إذ ليس بسارق ( إنما مثل ذلك ) أي صفته بمعنى قياسه ( مثل رجل كان له على رجل دين فجحده ذلك فليس عليه فيما جحده قطع ) لأنه لم يسرق ( والأمر عندنا في السارق يوجد في البيت ) حال كونه ( قد جمع المتاع ولم يخرج به أنه ليس عليه قطع ) لأنه لم يخرج من الحرز ( وإنما مثل ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمرا ليشربها فلم يفعل فليس عليه حد ) لعدم الشرب ( ومثل ذلك ) أي قياسه ( رجل جلس من امرأة مجلسا وهو يريد أن يصيبها ) يجامعها ( حراما فلم يفعل ولم يبلغ ذلك منها ) أي لم يدخل حشفته فيها ( فليس عليه أيضا في ذلك حد ) لعدم الوطء وإنما عليه الأدب ( والأمر المجتمع عليه عندنا أنه ليس في الخلسة ) أي ما يخلس ويخطف بسرعة على غفلة ( قطع بلغ ثمنها ما يقطع فيه أو لم يبلغ ) لأنها ليست بسرقة .




                                                                                                          الخدمات العلمية