الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
531 [ ص: 253 ] حديث ثالث لابن شهاب ، عن أبي أمامة ( مرسل ) وهو يتصل من وجوه كثيرة ، ثابتة من غير حديث مالك

مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة مرضت ، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمرضها ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود المساكين ويسأل عنهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا ماتت ، فآذنوني ( بها ) فخرج بجنازتها ليلا فكرهوا أن يوقظوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر بالذي كان من شأنها فقال : ألم آمركم أن تؤذنوني بها فقالوا : يا رسول الله ، كرهنا أن نخرجك ليلا ونوقظك فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات .

[ ص: 254 ]

التالي السابق


[ ص: 254 ] لم يختلف على مالك في الموطأ في إرسال هذا الحديث ، وقد روى موسى بن محمد بن إبراهيم عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن رجل من الأنصار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر امرأة بعدما دفنت ، فكبر عليها أربعا ، وهذا لم يتابع عليه . وموسى بن محمد هذا متروك الحديث ، وقد روى سفيان بن حسين ( هذا الحديث ) عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث مسند متصل صحيح من غير حديث مالك من حديث الزهري ( وغيره ) . وروي من وجوه كثيرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها ثابتة . وفيه ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند العالم إذا لم يكن في ذلك مكروه فيكون غيبة . وفيه من الفقه أنه جائز أن يتحدث بأحوال الناس من التواضع ، وأنه كان يعود الفقراء ، فجائز للخليفة أن يعود [ ص: 255 ] المرضى ، وإن تواضع وعاد المساكين وشهد جنائزهم كان أفضل وأسنى ، وكان جديرا أن يعد من الخلفاء ، وفيه إباحة عيادة النساء ، وإن لم يكن ذوات محرم ، ومحل هذا عندي أن تكون المرأة متجالة ، وإن كانت غير متجالة فلا ، إلا أن يسأل عنها ولا ينظر إليها ، وفيه ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخلق الجميل في العفو ، وإنه أمر أصحابه ، فلم يفعلوا ما أمروا به ، ولم يعاتبهم ، وفيه إجازة الإذن بالجنازة ، وذلك رد على من قال لا تشعروا بي أحدا ، وقد كان جماعة يكرهون ذلك ورخص فيه آخرون ودلائل السنة تدل على جواز ذلك ، والحمد لله . فأما الذين كرهوا ذلك ، فابن مسعود ، وأصحابه ، واختلف في ذلك عن ابن عمر وإبراهيم . ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم عن علقمة ، قال : الإيذان بالجنازة من النعي ، والنعي من أمر الجاهلية ، قال إبراهيم : إذا كان عندك من يحمل الجنازة ، فلا تؤذن أحدا مخافة أن يقال : ما أكثر من اتبعه . [ ص: 256 ] قال : وأخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق أن علقمة بن قيس حين حضرته الوفاة ، قال : لا تؤذنوا بي أحدا كفعل الجاهلية ( قال : وأخبرنا الثوري ، عن عاصم بن محمد ، عن أبيه أن ابن عمر كان يتحين بجنائزه غفلة الناس ) . قال : وأخبرني عمر بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، قال لا تؤذنوا بموتي أحدا حسبي من يحملني إلى حفرتي . قال : وأخبرنا هشام الدستوائي [ ص: 257 ] عن حماد ، عن إبراهيم ، قال لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه ، إنما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس أنعي فلانا ، كفعل الجاهلية . وروى حماد بن زيد ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، قال : قال عمرو بن شرحبيل حين حضرته الوفاة : ما أدع مالا ولا أدع علي من دين ، وما أدع من عيال يهموني بعدي ، فإذا ( أنا ) مت ، فلا تنعوني إلى أحد وأسرعوا في المشي ، وذكر الحديث . وحماد بن زيد ، عن ابن عون ، قال : سألت إبراهيم أكان النعي يكره ، قال : نعم ، فذكرت ذلك لمحمد بن سيرين فقال : يؤذن الرجل حميمه ويؤذن صديقه ورخص في ذلك جماعة منهم أبو هريرة ، وغيره ، والأصل في هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا ماتت ، فآذنوني بها ونعى النجاشي للناس . وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن أنس بن مالك ، قال : نعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 258 ] أصحاب مؤتة على المنبر رجلا رجلا ، بدأ بزيد بن حارثة ، ثم جعفر بن أبي طالب ، ثم عبد الله بن رواحة ، قال : فأخذ اللواء خالد بن الوليد ، وهو سيف من سيوف الله . قال أبو عمر : شهود الجنائز أجر وتقوى وبر ، والإذن بها تعاون على البر والتقوى وإدخال الأجر على الشاهد وعلى المتوفى ، ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - : ما من مسلم يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة يستغفرون له إلا شفعوا فيه . رواه حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، وكان أخا عائشة في الرضاعة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . ومعلوم أن هذا العدد ومثله لا يجتمعون لشهود جنازة إلا أن يؤذنوا لها وبالله التوفيق . [ ص: 259 ] وفيه أن عصيان المرء من أمره إذا أراد بعصيانه بره وتعظيمه لا يعد عليه ذنبا . وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعز عليه أن يعصى إذا لم تنتهك لله حرمة ، ولم يعص - جل وعز ، ألا ترى لي قول عائشة رضي الله عنها ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها . وفيه إباحة الدفن بالليل . وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يطلع على ما غاب عنه إلا أن يطلعه الله عليه . وفيه الصلاة على القبر لمن لم يصل على الجنازة ، وهذا عند كل من أجازه ورآه إنما هو بحدثان ذلك على ما جاءت به الآثار المسندة ، وعن الصحابة أيضا رحمهم الله مثل ذلك . وفيه الصف على الجنازة ، وفيه أن التكبير على الجنازة أربع تكبيرات ، وفيه أن سنة الصلاة على القبر كسنة الصلاة على الجنازة سواء في الصف عليها ، والدعاء ، والتكبير . واختلف الفقهاء فيمن فاتته الصلاة على الجنازة فجاء ، وقد سلم من الصلاة عليها ، وقد دفنت فقال مالك وأبو حنيفة لا تعاد الصلاة على الجنازة ، ومن لم يدرك [ ص: 260 ] الصلاة مع الناس عليها لم يصل عليها ولا يصل على القبر ، وهو قول الثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، والليث بن سعد ، وقال ابن القاسم قلت : فالحديث الذي جاء عن النبي - - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى على قبر امرأة ، قال : قد جاء هذا الحديث ، وليس عليه العمل . وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع أن ابن عمر قدم بعدما توفي عاصم يتحقق فسأل عنه فقال : أين قبر أخي فدلوه عليه ، فأتاه فدعا له ، قال عبد الرزاق وبه نأخذ . قال : وأخبرنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صلي عليها دعا وانصرف ، ولم يعد الصلاة . وذكر عن الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : لا تعاد على ميت صلاة ، قال : وقال معمر : كان الحسن إذا فاتته صلاة على جنازة لم يصل عليها ، وكان قتادة يصلي عليها بعد إذا فاتته . [ ص: 261 ] وقال الشافعي وأصحابه : من فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر ، إن شاء الله . وهو رأي عبد الله بن وهب ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي ، وسائر أصحاب الحديث ، قال أحمد بن حنبل : رويت الصلاة على القبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ستة وجوه حسان كلها . وفي كتاب عبد الرزاق ، عن ابن مسعود ومحمد بن قرظة أن أحدهما صلى على جنازة بعدما دفنت وصلى الآخر عليها بعدما صلي عليها . قال : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال : توفي عبد الرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكة فحملناه حتى جئنا به إلى مكة فدفناه ، فقدمت عائشة علينا بعد ذلك فعابت علينا ذلك ، ثم قالت : أين قبر أخي ؟ فدللناها عليه فوضعت في هودجها عند قبره وصلت عليه .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق ، قال : حدثنا الخضر بن داود ، قال : حدثنا [ ص: 262 ] أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم الوراق ، قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل - رحمه الله - قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا ( أيوب ، عن ) ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن أبي بكر توفي في منزل له كان فيه ، فحملناه على رقابنا ستة أميال إلى مكة ، وعائشة غائبة فقدمت بعد ذلك فقالت : أروني قبر أخي ، فأروها فصلت عليه . وقال حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قدمت عائشة بعد موت أخيها بشهر ، فصلت على قبره . وقال عبد الرزاق : حدثنا الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن حنش ، قال : جاء ناس من بعد أن صلى ( علي ) على سهل بن حنيف ، فأمر علي قرظة الأنصاري أن يؤمهم ( ويصلي ) عليه بعد ما دفن . وعن ابن موسى أنه فعل ذلك . وأما الستة وجوه التي ذكر أحمد بن حنبل أنه روى منها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( صلى ) على قبر ، فهي - والله أعلم - ( حديث ) سهل بن حنيف ، وحديث [ ص: 263 ] سعد بن عبادة ، وحديث أبي هريرة روي من طرق ، وحديث عامر بن ربيعة ، وحديث ( أنس ) ( وحديث ابن عباس ) . فأما حديث سهل بن حنيف فحدثناه أبو عثمان سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا سعيد بن يحيى أبو سفيان الحميري ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود فقراء أهل المدينة ويشهد جنائزهم إذا ماتوا ، قال : فتوفيت ( امرأة ) من أهل العوالي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا قضت فآذنوني بها ، قال : فأتوه ليؤذنوه فوجدوه نائما ، وقد ذهب الليل فكرهوا أن يوقظوه وتخوفوا عليه ظلمة الليل ، وهوام الأرض ، قال : فدفناها فلما أصبح سأل عنها فقالوا : يا رسول الله ، [ ص: 264 ] أتيناك لنؤذنك فوجدناك نائما فكرهنا أن نوقظك وتخوفنا عليك ظلمة الليل ، وهوام الأرض ، قال : فمشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قبرها فصلى عليها وكبر أربعا . وأما حديث سعد بن عبادة ، فحدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : ( حدثنا نعيم بن حماد ) قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا المثنى بن سعيد ، عن قتادة ، عن ابن المسيب أن سعد بن عبادة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أم سعد توفيت ، وأنا غائب ، فصل عليها يا رسول الله ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى عليها ، وقد دفنت قبل ذلك بشهر . وروى القطان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب أن أم سعد بن عبادة ماتت والنبي - صلى الله عليه وسلم - غائب ، فأتى قبرها وصلى عليها ، وقد مضى لذلك شهر . حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا [ ص: 265 ] الخشني محمد بن عبد السلام ، قال : حدثنا بندار محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، فذكره بإسناده ( وذكره أبو بكر الأثرم ، قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، فذكره بإسناده سواء ) . وأما حديث أبي هريرة فرويناه من وجوه ، أحسنها ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق ، قال : حدثنا الخضر بن داود ، قال : حدثنا أبو بكر الأثرم ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا ثابت عن أبي رافع ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر . وأخبرنا إبراهيم بن شاكر ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي ، وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا عثمان بن جرير ، قالا : ( حدثنا ) أحمد بن عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، قال : كانت امرأة تقم المسجد فماتت فدفنت ليلا [ ص: 266 ] ففقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : فهلا أعلمتموني ، فقالوا : ماتت ليلا . فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى المقبرة ، فصلى على قبرها ثم قال : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن صلاتي عليها نور ، قال حماد : لا أدري الكلام الآخر ، عن أبي هريرة هو أم لا ؟ . ( وأخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر ، وأحمد بن عبد الله بن محمد ، قالا : أخبرنا مسلمة بن قاسم بن إبراهيم ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن محمد الأصبهاني ، قال : حدثنا يونس بن حبيب بن عبد القاهر ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، وأبو عامر الجزار ، عن ثابت البناني ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة أن رجلا أسود ، أو امرأة سوداء كانت تنقي المسجد من الأذى ، ثم ماتت فدفنت ، ولم يؤذن النبي عليه السلام ، فأخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : دلوني على قبرها ، فانطلق إلى القبر ، فأتى على القبور فقال : إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة ، وإن الله ينورها بصلاتي عليها ثم أتى القبر فصلى عليها ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، إن أبي أو أخي مات ، وقد دفن ، فصل عليه يا رسول الله ، فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الأنصاري ) . [ ص: 267 ] وأما حديث عامر بن ربيعة فحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا داود بن عبد الله الجعفري ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن محمد بن زيد بن قنفذ ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، قال : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبر حديث فقال : ما هذا القبر ؟ قالوا : قبر فلانة ، قال : فهلا آذنتموني ؟ قالوا : كنت نائما فكرهنا أن نوقظك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فلا تفعلوا ، ادعوني لجنائزكم ، ثم صف عليها فصلى . وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة [ ص: 268 ] قال : حدثنا يعقوب بن محمد الزهري ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن محمد بن زيد بن المهاجر ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، قال : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبر حديث فسأل عنه فقيل : قبر فلانة المسكينة ، قال : فهلا آذنتموني أصلي عليها ؟ فقالوا : يا رسول الله ، كنت نائما فكرهنا أن نوقظك ، قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ادعوني لجنائزكم ، أو قال : أعلموني بجنائزكم ، فصف وصف الناس خلفه وصلى عليها . وحدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد ، قال : حدثنا الخضر بن داود ، قال : حدثنا أبو بكر الأثرم ، قال : حدثنا أبو ثابت محمد بن عبد الله ، والقعنبي جميعا ، قالا : حدثنا عبد العزيز بن محمد ( عن محمد ) بن زيد ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة [ ص: 269 ] عن أبيه ، قال : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبر حديث ، فذكر مثله سواء . وأما حديث ابن عباس فحدثناه خلف بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا شعبة ، وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبد الله بن روح المدائني ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان الشيباني ، قال : سمعت الشعبي يقول : أخبرني من مر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على قبر منبوذ ، فكبر عليه ، قال : فقلت للشعبي : يا أبا عمرو من أخبرك بهذا ؟ قال : أخبرني بذلك ابن عباس . وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، قال : حدثنا الشيباني ، عن عامر ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبر حديث عهد بدفن فسأل عنه فقالوا : [ ص: 270 ] مات ليلا فكرهنا أن نوقظك فنشق عليك فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفنا خلفه ، فصلينا عليه . وأخبرنا عبد الرحمن بن أبان ، قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا الثوري ، عن سليمان الشيباني ، عن الشعبي ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة بعدما دفنت . وأما حديث أنس ، فحدثناه خلف بن قاسم ، قال : حدثنا محمد بن زكرياء المقدسي ، قال : حدثنا مضر بن محمد الأسدي ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن حبيب بن الشهيد ، وعن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر امرأة بعدما دفنت . وحدثناه أبو العباس أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة البغدادي [ ص: 271 ] قال : حدثنا البغوي ، قال : حدثنا إبراهيم ( بن هانئ ، قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن حبيب بن ) الشهيد ، وعن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر بعدما دفن . وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى على قبر من ثلاثة أوجه سوى هذه الستة الأوجه المذكورة ، وكلها حسان ، منها ( حديث ) لزيد بن ثابت الأنصاري ، والحصين بن وحوح ، وأبي أمامة بن ثعلبة الأنصاري ، فالله أعلم أيها أراد أحمد بن حنبل . أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرني عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت [ ص: 272 ] قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقيل : فلانة فعرفها فقال : أفلا آذنتموني ، قالوا : يا رسول الله ، كنت قائلا نائما فكرهنا أن نؤذنك ، فقال : لا تفعلوا ، لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به ، فإن صلاتي عليه له رحمة ، قال : ثم أتى القبر ، فصفنا خلفه ، فكبر أربعا . وأخبرنا عبيد بن محمد ، قال : حدثنا عبد الله بن مسرور ، قال : حدثنا عيسى بن مسكين ، قال : حدثنا محمد بن سنجر ، قال : حدثنا أحمد بن حباب ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان البلوي ، عن عروة بن سعيد الأنصاري ، عن أبيه عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض ، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده في الشتاء في برد وغيم ، فلما انصرف ، قال لأهله : إني ما أرى طلحة إلا وقد حدث به الموت ، فآذنوني به حتى أشهده وأصلي عليه ، وعجلوا به ، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ، فلم يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 273 ] بني سالم حتى توفي ، وجن عليه الليل فكان مما قال طلحة : ادفنوني ( وألحقوني ) بربي ، ولا تدعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني أخاف عليه ( اليهود ) أن يصاب بشيء . فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أصبح فجاء حتى وقف على قبره ( في ) قطاره بالعصبة ، فصف وصف الناس معه ، ثم رفع يديه وقال : اللهم الق طلحة تضحك ( إليه ) ويضحك إليك ، ثم انصرف . وذكر أبو جعفر العقيلي ( قال ) : أخبرنا هارون بن العباس الهاشمي ، قال : حدثنا موسى بن محمد بن حيان ، قال : حدثنا ابن مهدي ، عن عبد الله بن المنيب [ ص: 274 ] عن جده عبد الله بن أبي ( عن أبي ) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر بعدما دفن . قال : وأخبرنا عبد الله ( بن أحمد بن حنبل ، قال : أخبرنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا عبد الله ) بن المنيب ( المدني ) عن جده عبد الله بن أبي أمامة ، عن أبيه أبي أمامة بن ثعلبة ، قال : رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من بدر ، وقد توفيت يعني أم أبي أمامة ، فصلى عليها . وأما العمل من الصحابة بهذا فقد تقدم عن عائشة ، وعلي ، وابن مسعود ، وقرظة بن كعب ، وأبي موسى ، وغيرهم . وذكر أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم الطائي الوراق ، قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن حرب بن شداد ، عن يحيى بن أبي كثير أن أنس بن سيرين حدثه أن أنس بن مالك أتى جنازة ، وقد صلي عليها فصلى عليها . ( قال : وحدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن الحكم ، قال : جاء [ ص: 275 ] سلمان بن ربيعة ، وقد صلي على جنازة ، فصلى عليها ) . قال : وحدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا الضحاك بن مخلد ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد ، عن شبيب بن غرقدة ، عن المستظل بن حصين أن عليا صلى على جنازة بعدما صلي عليها . وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل ، قال : أخبرنا محمد بن الحسين الأنصاري ، قال : أخبرنا الزبير بن أبي بكر القاضي ، قال : حدثني يحيى بن محمد ، قال : توفي الزبير بن هشام بن عروة بالعقيق في حياة أبيه ، فصلى عليه بالعقيق ، ودعا له وأرسل إلى المدينة يصلى عليه في موضع الجنائز ويدفن بالبقيع . وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : أخبرنا عبد الحميد بن أحمد الوراق ، قال : أخبرنا الخضر [ ص: 276 ] بن داود ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : أخبرنا الوليد ، قال : حدثنا المثنى بن سعيد الضبعي ، عن أبي جمرة الضبعي ، قال : انطلقت أنا ومعمر بن سمير اليشكري ، وكان من أصحاب الدرهمين في خلافة عمر ، فانطلقنا نطلب جنازة نصلي عليها ، فاستقبلنا أصحابنا ، وقد فرغوا ورجعوا ، قال أبو جمرة : فذهبت أرجع فقال : امض بنا فمضينا إلى القبر ، فصلينا عليه . قال : وأخبرنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا أيوب ، عن محمد ، قال : إذا فاتته الصلاة على الجنازة انطلق إلى القبر ، فصلى عليه ، قال : وهيب ورأيت أيوب يفعله ومسلم أيضا . قال : وحدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا إسماعيل [ ص: 277 ] بن إبراهيم ، قال : أخبرنا أيوب ، عن نافع ، قال : توفي عاصم بن عمر ، وابن عمر غائب فقدم بعد ذلك ، قال أيوب : أحسبه قال بثلاث ، فقال : أروني قبر أخي ، فأروه ، فصلى عليه . هكذا قال : عن أحمد ، عن ابن علية ، عن أيوب ، وهو عندي وهم لا شك فيه ، لأن معمرا ذكر عن أيوب ، عن نافع أن ابن عمر أتى قبر أخيه ودعا له . وهذا هو الصحيح المعروف من مذهب ابن عمر من غير ما وجه عن نافع ، وقد يحتمل أن تكون رواية ابن علية ، عن أيوب ، فصلى عليه بمعنى فدعا ( له ) ؛ لأن الصلاة دعاء ، وهو أصلها في اللغة ، فإذا كان هذا فليس بمخالف لما روى معمر . وكذلك روى عبيد الله بن عمر ( عن نافع ) قال : كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صلي عليها دعا وانصرف ، ولم يعد الصلاة ، وقد يحتمل ما ذكرنا ، عن عائشة من صلاتها على قبر أخيها عبد الرحمن أنها دعت ( له ) ، فكنى القوم عن الدعاء بالصلاة ، لأنهم كانوا عربا ، وهذا سائغ في اللغة ، والشواهد عليه محفوظة مشهورة ، فأغنى ذلك عن ذكرها هاهنا . وإذا احتمل هذا فغير نكير أن يقال فيما ذكرنا من الآثار المرفوعة وغيرها أنه أريد بذكر الصلاة على القبر [ ص: 278 ] فيها الدعاء إلا أن يكون حديثا مفسرا يذكر فيه أنه صف بهم وكبر ورفع يديه ، ونحو هذا من وجه المعارضة ، ولكن الصحيح في النظر أن ذكر الصلاة على الجنائز إذا أتى مطلقا ، فالمراد به الصلاة المعهودة على الجنائز ، ومن ذلك كانت البينة عليه ، وليس ما ذكرنا من الآثار عن الصحابة والتابعين ما يرد قول مالك أن الصلاة على القبر جاء ، وليس عليه العمل ، لأنها بصرية وكوفية ، وليس منها شيء مدني أعني ( عن الصحابة ، ومن بعدهم - رضي الله عنهم - . ومالك - رحمه الله - إنما حكى أنه ليس ) عليه العمل عندهم بالمدينة في عصره ، وعصر شيوخه ، وهو كما قال : عن مدني ما يرد ( حكايته هذه ، والله تعالى قد نزهه عن التهمة والكذب ، وحباه بالأمانة والصدق ) . قال أبو عمر : من صلى على قبر ، أو على جنازة قد صلي عليها فمباح له ذلك ؛ لأنه قد فعل خيرا لم يحظره الله ولا رسوله ولا اتفق الجميع على المنع منه ( وقد ) قال [ ص: 279 ] الله تعالى وافعلوا الخير ، وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر ، ولم يأت عنه نسخه ولا اتفق الجميع على المنع منه ، فمن فعل فغير حرج ولا معنف ، بل هو في حل وسعة وأجر جزيل إن شاء الله ، إلا أنه ما قدم عهده فمكروه الصلاة عليه ، لأنه لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه أنهم صلوا على القبر إلا بحدثان ذلك ، وأكثر ما روي فيه شهر ، وقد أجمع العلماء أنه لا يصلى على ما قدم من القبور ، وما أجمعوا عليه فحجة ، ونحن نتبع ولا نبتدع ، والحمد لله . وقد قال ابن حبيب فيمن نسي أن يصلى عليه حتى دفن ( أو ) فيمن دفنه يهودي أو نصراني دون أن يغسل ويصلى عليه ، ثم خشي عليه التغير أن يصلى على قبره ، وإن لم يخف عليه التغير نبش وغسل وصلي عليه إذا كان بحدثان ذلك . وقال : عيسى بن دينار من دفن ، ولم يصل عليه من قتيل ، أو ميت ، فإني أرى أن يصلى على قبره ، قال : وقد بلغني ذلك عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، وقال أبو حنيفة : وأصحابه [ ص: 280 ] لا يصلى على جنازة مرتين إلا أن يكون الذي صلى عليها غير وليها فيعيد وليها الصلاة ( عليها ) إن كانت لم تدفن ، وإن كانت قد دفنت أعادها على القبر . وقال يحيى بن معين : قلت ليحيى بن سعيد : ترى الصلاة على القبر ؟ قال لا ، ولا أرى على من صلى عليه شيئا ، وليس الناس على هذا اليوم ، وأنا أكره أن أفعل شيئا أخالف الناس فيه .




الخدمات العلمية