الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                أسلم عبد لحربي في دار الحرب لا يعتق ، وهو عبد على حاله بالإجماع ; لأن الملك وإن كان واجب الإزالة لكن لا طريق للزوال هاهنا ، فبقي على حاله ، ولو خرج هذا العبد إلينا ، فإن خرج مراغما لمولاه ولحق بعسكر المسلمين عتق ; لأن دار الحرب دار قهر وغلبة ، وقد قهر مولاه بخروجه مراغما إياه ، فصار مستوليا على نفسه مستغنما إياها ، فيزول ملك المالك عنه وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال في إباق الطائف : { هؤلاء عتقاء الله سبحانه وتعالى } ولو خرج غير مراغم فإن خرج بإذن المولى للتجارة فهو عبد لمولاه لكن يبيعه الإمام ، ويقف ثمنه لمولاه أما كونه عبدا لمولاه فلأنه لم يخرج قاهرا مستوليا ، ولأنه ملك مستحق الزوال بالإسلام .

                                                                                                                                وأما وقف ثمنه لمولاه ، فلأنه باعه على ملكه .

                                                                                                                                وكذا لو لم يخرج مراغما ولكن ظهر المسلمون على الدار يعتق أيضا ; لأنه لما أسلم فقد بقي عليه ملك مستحق الزوال ، محتاج إلى طريق الزوال ، وقد وجد وهو إحراز نفسه بمنعه المسلمين ، وإنه أسبق من إحراز المسلمين إياه بدار الإسلام ليملكوه ، فكان أولى ولو لم يخرج ولم يظهر على الدار ، ولكن باعه الحربي من مسلم أو حربي ، عتق عند أبي حنيفة قبل المشتري البيع أو لم يقبل ، وعندهما لا يعتق وجه قولهما أنه كما زال ملك البائع عنه فقد ثبت ملك المشتري فيه ، فلا يعتق وجه قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ما ذكرنا أن هذا ملك مستحق الزوال موقوف زواله على سبب الزوال أو شرط الزوال على ما بينا ، فإذا عرضه على البيع ، والبيع سبب لزوال الملك فقد رضي بزواله إلى غيره فكان بزواله إليه أرضى .

                                                                                                                                لأنه استحق الزوال وغيره ما استحقه ، والرضا بالزوال شرط الزوال ولو أسلم حربي في دار الحرب وله رقيق فيها ، فخرج هو إلى دار الإسلام ثم تبعه عبده بعد ذلك كافرا كان أو مسلما فهو عبد لمولاه ; لأن خروجه إلى مولاه كخروجه مع مولاه ولو كان خرج مع مولاه لكان عبدا لمولاه كذا هذا والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية