الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      باب صدقة الإبل قال المصنف رحمه الله تعالى ( أول نصاب الإبل خمس وفرضه شاة ، وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض ، وهي التي لها سنة ، ودخلت في الثانية ، وفي ست وثلاثين بنت لبون ، وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ، وفي ست وأربعين حقة ، وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ، وفي إحدى وستين جذعة وهي التي لها أربع سنوات وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ، ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة . والأصل فيه ما روى أنس رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين : " بسم الله الرحمن الرحيم : هذه فريضة الصدقة التي فرض الله عز وجل على المسلمين التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فمن سألها على [ ص: 348 ] وجهها فليعطها ومن سألها فوقها فلا يعطه . في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ، ففيها بنت مخاض أنثى ، فإن لم يكن فيها بنت مخاض ، فابن لبون ذكر وليس معه شيء ، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ، ففيها بنت لبون ، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل ، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ، ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ، ففيها بنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ، ففيها حقتان طروقتا الفحل ، فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة . فإن زاد على عشرين ومائة أقل من واحد لم يتغير الفرض .

                                      وقال أبو سعيد الإصطخري : يتغير ، فيجب ثلاث بنات لبون لقوله : فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففي كل أربعين بنت لبون ولم يفرق . والمنصوص هو الأول ، لما روى الزهري قال " أقرأني سالم نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه : فإذا كان إحدى وتسعين ، ففيها حقتان حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ، ففيها ثلاث بنات لبون " ; ولأنه وقص محدود في الشرع ، فلم يتغير الفرض بعده بأقل من واحدة كسائر الأوقاص ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : مدار نصب زكاة الماشية على حديثي أنس وابن عمر رضي الله عنهم فالوجه تقديمهما ليحال ما يأتي عليهما ( فأما ) : حديث أنس فرواه أنس أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين : ( بسم الله الرحمن الرحيم : هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها ورسوله فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعط : في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى . فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ، ففيها بنت لبون أنثى ، فإذا بلغت ستة وأربعين إلى ستين ، ففيها حقة طروقة الفحل ، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستة وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ، ففيها حقتان طروقتا الجمل ، فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل ، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، فإذا بلغت خمسا [ ص: 349 ] من الإبل ففيها شاة وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان ، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ، ففيها ثلاث شياه ، فإذا زادت على ثلاثمائة ، ففي كل مائة شاة ، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة ، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، وفي الرقة ربع العشر ، فإن لم يكن إلا تسعون ومائة ، فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها ) . وفي هذا الكتاب ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده ، وعنده بنت لبون ، فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء ; ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة ، وليست عنده جذعة ، وعنده حقة ، فإنها تقبل منه الحقة ، ويجعل معها شاتين استيسرتا له ، أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة ، وليست عنده الحقة وعنده الجذعة ، فإنها تقبل منه الجذعة ، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة ، وليست عنده إلا بنت لبون ، فإنها تقبل منه بنت لبون ، ويعطي شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة ، فإنها تقبل منه الحقة ، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين . ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض ، فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين ، ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق ، ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين ، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " رواه البخاري في صحيحه مفرقا في كتاب الزكاة فجمعته بحروفه .

                                      ( وأما ) : حديث ابن عمر فرواه سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة ولم يخرجه إلى عماله حتى قبض ، فقرنه بسيفه ، فلما قبض عمل به أبو بكر [ ص: 350 ] حتى قبض وعمر حتى قبض وكان فيه في خمس من الإبل شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإذا زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت ، ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون . وفي الشياه في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت فشاتان إلى مائتين ، فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت على ثلاثمائة ، ففي كل مائة شاة شاة ، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ مائة ، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب } . وقال الزهري إذا جاء المصدق قسم الشياه أثلاثا : ثلث خيار وثلث أوساط وثلث شرار وأخذ المصدق من الوسط " رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن وهذا لفظ الترمذي : وهكذا وقع في رواية الترمذي وأكثر روايات أبي داود وغيره إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت على عشرين ومائة وفي رواية لأبي داود : " فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ، ففيها ثلاث بنات لبون " وليس إسناد هذه الرواية متصلا .

                                      وأما أسنان الإبل ، فهو من المهمات التي ينبغي تقديمها . ، فالإبل بكسر الباء ويجوز إسكانها ، وهو اسم جنس يقع على الذكور والإناث لا واحد له من لفظه والإبل مؤنثة ، يقال إبل سائمة ، وكذلك البقر والغنم . قال أهل اللغة : يقال لولد الناقة إذا وضعته " ربع " بضم الراء وفتح الباء . والأنثى ربعة ثم هبع وهبعة بضم الهاء وفتح الباء الموحدة ، فإذا فصل عن أمه ، فهو فصيل والجمع فصلان والفصال الفطام . وهو في جميع السنة حوار بضم الحاء فإذا استكمل السنة ودخل في الثانية ، فهو ابن مخاض ، والأنثى بنت مخاض ، سمي بذلك ; لأن أمه لحقت بالمخاض ، وهي الحوامل ، ثم لزمه هذا الاسم وإن لم تحمل أمه . ولا يزال ابن مخاض حتى يدخل في السنة الثالثة ، فإذا دخل فيها ، فهو ابن لبون والأنثى بنت لبون . هكذا يستعمل [ ص: 351 ] مضافا إلى النكرة . هذا هو الأكثر ، وقد استعملوه قليلا مضافا إلى المعرفة ، قال الشاعر :

                                      وابن اللبون إذا ما لز في قرن

                                      قالوا : سمي بذلك ; لأن أمه وضعت غيره وصارت ذات لبن ، ولا يزال ابن لبون حتى يدخل في السنة الرابعة ، فإذا دخل فيها فهو حق ، والأنثى حقة ; لأنه استحق أن يحمل عليه ويركب وأن يطرقها الفحل ، فتحمل منه ، ولهذا صح في الحديث " طروقة الفحل وطروقة الجمل " وطروقة بمعنى مطروقة كحلوبة وركوبة بمعنى محلوبة ومركوبة ، ولا يزال حقا حتى يدخل في السنة الخامسة ، فإذا دخل فيها ، فهو جذع بفتح الذال والأنثى جذعة ، وهي آخر الأسنان المنصوص عليها في الزكاة ، ولا يزال جذعا حتى يدخل في السادسة ، فإذا دخل فيها فهو ثني والأنثى ثنية ، وهو أول الأسنان المجزئة من الإبل في الأضحية ; ولا يزال ثنيا حتى يدخل في السابعة ، فإذا دخل فيها فهو رباع بفتح الراء ويقال : رباعي بتخفيف الياء والأول أشهر ، والأنثى رباعية بتخفيف الياء ولا يزال رباعا ورباعيا حتى يدخل في السنة الثامنة .

                                      فإذا دخل فيها ، فهو سدس بفتح السين والدال ويقال : أيضا سديس بزيادة ياء ، والذكر والأنثى فيه بلفظ واحد . ولا يزال سدسا حتى يدخل في السنة التاسعة ، فإذا دخل ، فهو بازل بالباء الموحدة وكسر الزاي وباللام ; لأنه بزل نابه أي : طلع ، والأنثى بازل أيضا بلا هاء ، ولا يزال بازلا حتى يدخل في السنة العاشرة ، فإذا دخل فيها فهو مخلف بضم الميم وإسكان الخاء المعجمة وكسر اللام والأنثى مخلف أيضا بغير هاء في قول الكسائي ومخلفة بالهاء في قول أبي زيد النحوي ، حكاه عنهما ابن قتيبة وغيره ووافقهما غيرهما ، ثم ليس له بعد ذلك اسم مخصوص ، ولكن يقال : بازل عام وبازل عامين ومخلف عام ومخلف عامين ، وكذلك ما زاد فإذا كبر ، فهو عود بفتح العين وإسكان الواو والأنثى عودة ، فإذا هرم ، فهو قحم بفتح القاف وكسر الحاء المهملة والأنثى ناب وشارف ، وهذا الذي ذكرته إلى هنا قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه [ ص: 352 ] في رواية حرملة عنه ، ونقله أبو داود والسجستاني في كتابه السنن عن الرياشي وأبي حاتم السجستاني والنضر بن شميل وأبي عبيد ونقله أيضا ابن قتيبة والأزهري وخلق سواهم ، لكن في الذي ذكرته زيادة ألفاظ يسيرة لبعضهم على بعض وفي سنن أبي داود ، ويقال : مخلف عام ومخلف عامين ومخلف ثلاثة أعوام ، إلى خمس سنين ولم يقيده الجمهور بخمس والله أعلم .

                                      ( وأما ) : ألفاظ الحديث ، فأوله بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الماوردي صاحب الحاوي : يستدل به على إثبات البسملة في ابتداء الكتب خلاف ما كان عليه الجاهلية من قولهم : باسمك اللهم ، قال : ودل أيضا على أن الابتداء بحمد الله ليس بواجب ولا شرط ، وأن معنى الحديث " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله ، فهو أجذم " أي : لم يبدأ فيه بحمد الله أو معناه ونحوه من ذكر الله تعالى . وقوله : " هذه فريضة الصدقة " قال الماوردي : بدأ بإشارة التأنيث ; لأنه عطف عليه مؤنثا . قال : وقوله : " فريضة الصدقة " أي : نسخة فريضة الصدقة فحذف لفظ " نسخة " وهو من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه . قال أهل اللغة وغيرهم : وتسمى الجذعة والحقة وبنت اللبون وبنت المخاض المأخوذات في الزكاة فرائض ، والواحدة فريضة وهي فعيلة بمعنى مفعولة ( وقوله ) : فريضة الصدقة دليل على أن اسم الصدقة يقع على الزكاة خلافا لأبي حنيفة .

                                      ( وقوله ) : التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين قيل : فيه ثلاثة مذاهب ( أحدها ) : أنه من الفرض الذي هو الإيجاب والإلزام ( والثاني ) : معنى فرض : سن ( والثالث ) : معناه : قدر ، وبهذا جزم صاحب الحاوي وغيره ، فعلى الأول معناه أن الله تعالى أوجبها ثم بلغها إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فسمي أمره صلى الله عليه وسلم وتبليغه فرضا ، وعلى الثاني معناه : شرعها بأمر الله تعالى ، وعلى الثالث بينها لقول الله تعالى { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } أو يكون معناه : قدرها من قولهم : فرض القاضي النفقة أي : قدرها .

                                      ( وأما ) : قوله على المسلمين ففيه دليل لمن يقول : ليس الكافر مخاطبا بالزكاة وسائر الفروع ، والصحيح أنه مخاطب بكل ذلك . ومعنى على المسلمين أي : تؤخذ منهم في الدنيا ، والكافر لا تؤخذ منه في [ ص: 353 ] الدنيا ، ولكنه يعذب عليها في الآخرة ( وقوله ) : والتي أمر الله تعالى بها ، هكذا هو في رواية البخاري وغيره من كتب الحديث المشهورة ، وفي رواية الشافعي رضي الله عنه وأبي داود في سننه : التي بغير واو ، وكلاهما صحيح .

                                      ( فأما ) : رواية البخاري والجمهور بإثبات الواو ، فعطف على قوله : " التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أن فريضة الصدقة اجتمع فيها تقدير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الله تعالى وإيجابه " وأما على رواية الشافعي رضي الله عنه فتكون الجملة الثانية بدلا من الأولى ووقع في المهذب : " هذه فريضة الصدقة التي فرض الله تعالى على المسلمين " والذي في صحيح البخاري وكتب الحديث المشهورة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع في المهذب التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم وليست لفظة " بها " في البخاري . ووقع في المهذب : فمن سألها على وجهها فليعطها ، ومن سأل فوقها فلا يعطه بفتح الطاء فيهما ، والذي في صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث المعتمدة فمن سئلها على وجهها فليعطها ، ومن سئل بضم السين في الموضعين على ما لم يسم فاعله وبكسر الطاء .

                                      ( قوله ) : فمن سئلها على وجهها أي : حسب ما شرعت له ( قوله ) : صلى الله عليه وسلم " ومن سئل فوقها فلا يعطه " اختلف أصحابنا في الضمير في لا يعطه على وجهين مشهورين في كتب المذاهب ( أصحهما ) : عند أصحابنا أن معناه لا يعطى الزائد ، بل يعطى أصل الواجب على وجهه ، كذا صححه أصحابنا في كتبهم ، ونقل الرافعي الاتفاق على تصحيحه .

                                      ( والوجه الثاني ) : معناه : لا يعطى فرض الزكاة ولا شيء منه لهذا الساعي ، بل يخرج الواجب بنفسه أو يدفعه إلى ساع آخر ، قالوا : لأنه بطلبه الزائد على الواجب يكون معتديا فاسقا ، وشرط الساعي أن يكون أمينا . وهذا إذا طلب الزائد بغير تأويل كمن طلب شاتين عن شاة ، فأما من طلب زيادة بتأويل بأن كان مالكيا يرى أخذ الكبيرة عن الصغار ، فإنه الواجب بلا خلاف ولا يعطى الزائد ; لأنه لا يفسق ولا يعصي والحالة هذه . قال صاحب الحاوي وغيره : وإذا قلنا بالوجه الثاني أنه لا يعطى ، فلا [ ص: 354 ] يجوز أن يعطى ، فجعلوه حراما ، وهو مقتضى النهي ومقتضى قولهم : أنه فسق بطلب الزيادة فانعزل ، فلا يجوز الدفع إليه كسائر الأجانب .

                                      ( وقوله ) : صلى الله عليه وسلم " في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم " هذه جملة من مبتدأ وخبر ، فالغنم مبتدأ وفي أربع وعشرين خبر مقدم ، قال بعض العلماء : الحكمة هنا في تقديم الخبر أن المقصود بيان النصاب ، والزكاة إنما تجب بعد وجود النصاب ، فكان تقديمه أحسن ، ثم ذكر الواجب ، وكذا استعمل هذا المعنى في كل النصب ، فقال صلى الله عليه وسلم " فيها بنت مخاض ، فيها بنت لبون ، فيها حقة " إلى آخره .

                                      ( وقوله ) : صلى الله عليه وسلم " في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم " مجمل ، ثم فسره بأن في كل خمس شاة .

                                      ( وقوله ) : صلى الله عليه وسلم " بنت مخاض أنثى " قيل : احتراز من الخنثى ، وقيل : غيره ، والأصح أنه تأكيد لشدة الاعتناء ، كقولهم رأيت بعيني وسمعت بأذني ( وقوله ) : صلى الله عليه وسلم " ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار " والعوار : بفتح العين وضمها والفتح أفصح وأشهر وهو العيب ( وأما ) : قوله صلى الله عليه وسلم " ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق " وفي روايات أبي داود " إلا أن يشاء المصدق " وفي رواية له " ولا تيس الغنم " أي : فحلها المعد لضرابها ، واختلف في معناه ، فقال كثيرون أو الأكثرون : المصدق هنا بتشديد الصاد وهو رب المال قالوا : والاستثناء عائد إلى التيس خاصة ، ومعناه لا يخرج هرمة ولا ذات عيب أبدا ، ولا يؤخذ التيس إلا برضاء المالك قالوا : ولا بد من هذا التأويل ; لأن الهرمة وذات العيب لا يجوز للمالك إخراجهما ولا للعامل الرضا بهما ; لأنه لا يجوز له التبرع بالزكاة .

                                      وأما التيس فالمنع من أخذه لحق المالك وهو كونه فحل الغنم . المعد لضرابها ، فإذا تبرع به المالك جاز وصورته : إذا كانت الغنم كلها ذكورا بأن ماتت الإناث ، وبقيت الذكور ، فيجب فيها ذكور ، فيؤخذ من وسطها ، ولا يجوز أخذ تيس الغنم إلا برضاء المالك ، هذا أحد التأويلين .

                                      ( والثاني ) : وهو الأصح المختار ما أشار إليه الشافعي رضي الله عنه في البويطي فإنه قال : ولا [ ص: 355 ] يؤخذ ذات عوار ولا تيس ولا هرمة إلا أن يرى المصدق أن ذلك أفضل للمساكين فيأخذه على النظر . هذا نص الشافعي رضي الله عنه بحروفه ، وأراد بالمصدق الساعي وهو بتخفيف الصاد ، فهذا هو الظاهر . ويعود الاستثناء إلى الجميع ، وهو أيضا المعروف من مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الاستثناء إذا تعقب جملا عاد إلى جميعها والله تعالى أعلم . وقوله في أول الحديث " لما وجهه إلى البحرين " هو اسم لبلاد معروفة وإقليم مشهور مشتمل على مدن قاعدتها هجر . قالوا : وهكذا ينطق به البحرين بلفظ التثنية وينسب إليه بحراني ، والله تعالى أعلم .

                                      ( فصل ) : ( أما أحكام الفصل ) : فأول نصاب الإبل خمس بإجماع الأمة ، نقل الإجماع فيه خلائق ، فلا يجب فيما دون خمس شيء بالإجماع ، وأجمعوا أيضا على أن الواجب في أربع وعشرين فما دونها الغنم كما ثبت في الحديث ، فيجب في خمس من الإبل شاة ثم لا يزيد الواجب بزيادة الإبل حتى تبلغ عشرا . وفي عشر شاتان ، ثم لا زيادة حتى تبلغ خمس عشرة ، ففيها ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض ولا زيادة حتى تبلغ ستا وثلاثين ، ففي ست وثلاثين بنت لبون ، وفي ست وأربعين حقة وفي إحدى وستين جذعة وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان ، ولا يجب بعدها شيء حتى تجاوز مائة وعشرين ، فإذا زادت على مائة وعشرين واحدة وجب ثلاث بنات لبون ، وإن زادت بعض واحدة ، فوجهان مشهوران : ذكرهما المصنف بدليليهما ( الصحيح ) : المنصوص وقول الجمهور من أصحابنا : لا يجب إلا حقتان . وقال أبو سعيد الإصطخري : يجب ثلاث بنات لبون ، واحتج الإصطخري بقوله في رواية أنس والصحيح من رواية ابن عمر : " فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففي كل أربعين بنت لبون " والزيادة تقع على البعير وعلى بعضه .

                                      واحتج الجمهور بقوله في رواية ابن عمر " فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة " لكن سبق أنها ليست متصلة الإسناد ، فنحتج بأن المفهوم من الزيادة بعير كامل ، وتتصور المسألة بأن يملك مائة وعشرين بعيرا وبعض بعير مشترك [ ص: 356 ] بينه وبين من لا تصح خلطته . وقول المصنف في الاحتجاج على الإصطخري ; لأنه وقص محدود في الشرع ، فلم يتغير الفرض بعده بأقل من واحد كسائر الأوقاص ، قال القلعي : قوله " محدود في الشرع " احتراز مما فوق نصاب المعشرات والذهب والفضة ; لأن الشرع لم يحد فيه بعد النصاب حدا تتعين فيه الزكاة . قال أصحابنا : وإذا زادت واحدة بعد مائة وعشرين فالواجب ثلاث بنات لبون كما سبق ، وهل للواحد قسط من الواجب ؟ فيه وجهان : ، قال الإصطخري : لا . وقال الجمهور : نعم ، وهو الصحيح . فعلى هذا لو تلفت واحدة بعد الحول وقبل التمكن سقط من الواجب جزء من مائة وإحدى وعشرين جزءا ، وعلى قول الإصطخري : لا يسقط . ثم بعد مائة وإحدى وعشرين يستقر الأمر ، فيجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة . فيجب في مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة ، فيتغير الفرض هنا بتسعة . ثم يتغير بعشرة عشرة أبدا . ففي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون ومائة وخمسين ثلاث حقاق ومائة وستين أربع بنات لبون ومائة وسبعين ثلاث بنات لبون وحقة ومائة وثمانين حقتان وبنتا لبون ، ومائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون ، وفي مائتين أربع حقاق أو خمس بنات لبون . وأيهما يأخذ ؟ فيه خلاف ذكره المصنف بعد هذا . وفي مائتين وعشر أربع بنات لبون وحقة ، ومائتين وعشرين حقتان وثلاث بنات لبون ، ومائتين وثلاثين ثلاث حقاق وبنتا لبون ، وعلى هذا أبدا . وقد سبق أن بنت مخاض لها سنة وبنت لبون سنتان والحقة ثلاث والجذعة أربع والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية