الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويحرم ذلك ) أي اصطياد كل مأكول بري وحشي ( في الحرم المكي ولو على الحلال ) أو ما في أحد أصوله ذلك أي التعرض له بوجه نظير ما مر حال كون ذلك الاصطياد الصادق بكون الصائد وحده أو المصيد وحده [ ص: 181 ] أو الآلة كالشبكة وحدها أي ما اعتمد عليه الصائد أو المصيد القائم من الرجلين أو إحداهما ، وإن اعتمد على الأخرى أيضا في الحل تغليبا للتحريم أو مستقر غير القائم ، وإن كان ما عداه في هواء الحل كما اقتضاه كلام الإسنوي وغيره لكن الذي اعتمده الأذرعي والزركشي ضمانه إن أصيب ما بالحرم مطلقا ويشكل عليه ما يأتي في الشجر أن العبرة بالمنبت دون الأغصان التي في الحرم إلا أن يفرق بأن التبعية للمنبت أقوى منها للمستقر ( في الحرم ) المكي ولو ( على الحلال ) إجماعا وللنهي عن تنفيره فغيره أولى فعلم أنه لو رمى من في الحل صيدا بالحل فمر السهم بالحرم حرم بخلاف نحو الكلب ، وإن قتله في الحرم إلا إن تعين الحرم [ ص: 182 ] طريقا أو مقرا له .

                                                                                                                              ولو سعى من الحرم إلى الحل فقتله لم يضمنه بخلاف ما لو رمى من الحرم والفرق أن ابتداء الاصطياد من حين الرمي ولذا سنت التسمية عنده لا من حين العدو في الأولى ولو أخرج يده من الحرم ونصب شبكة بالحل فتعقل بها صيد لم يضمنه على ما في المجموع عن البغوي والكفاية عن القاضي ، وأخذ منه ومن الفرق السابق أنه لو أخرج من بالحرم يديه إلى الحل ثم رمى صيدا لم يضمنه وفيه نظر ظاهر أصلا وفرعا لقول البغوي نفسه لو نصبها محرما ثم حل ضمن وبفرض إمكان الفرق بين هذين الذي دل عليه كلام البغوي فالفرق بين نصب الشبكة والرمي ممكن فإن النصب لم يتصل به أثره بخلاف الرمي ، وإذا أثر وجود بعض المعتمد عليه في الحرم فأولى في صورتنا ؛ لأن كل ما اعتمد عليه فيه فإن قلت لعل البغوي لا يرى هذا الاعتماد بل الآلة التي هي اليدان فكفى خروجهما عن الحرم قلت لعل ذلك لكنه مخالف لما قرروه في الاعتماد ولو كان محرما أو بالحرم عند ابتداء الرمي دون الإصابة أو عكسه ضمن تغليبا للتحريم نظير ما مر ومثله ما لو نصب شبكة محرما للاصطياد بها ثم تحلل فوقع الصيد بها لتعديه بخلاف عكسه ولو أدخل معه الحرم صيدا مملوكا تصرف فيه بما شاء ؛ لأنه صيد حل .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : أو الآلة كالشبكة وحدها ) انظر مع كون الذي في الحرم الشبكة وحدها أي دون الصائد والمصيد كيف يتصور تلف الصيد أو تعقله بها ( قوله : أو المصيد ) يخرج ما إذا اعتمد على ما بالحل فقط ( قوله : تغليبا للتحريم ) قد يصدق تغليب التحريم بوضع إحدى قوائم الصيد الأربع في الحرم والثلاثة الباقية في الحل مع الاعتماد على الجميع وكون المصاب ما في الحل . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أو مستقر غير القائم إلخ ) عبارة شرح الروض وعلم مما تقرر أنه لا عبرة بكون غير قوائم الصيد في الحرم كرأسه ولم يعتمد على قامته التي في الحرم فقياس نظائره أنه لا ضمان قال الإسنوي وما ذكره من اعتبار القوائم هو في القائم أما النائم فالعبرة بمستقره قاله في الاستقصاء . ا هـ .

                                                                                                                              فلو نام ونصفه في الحرم حرم كما جزم به بعضهم تغليبا للحرمة وعلى عدم اعتبار الرأس ونحوه شرطه أن يصيب الرامي الجزء الذي من الصيد في الحل فلو أصاب رأسه في الحرم ضمنه ، وإن كانت قوائمه كلها في الحل وهذا متعين ذكره الأذرعي وقال إن كلام القاضي يقتضيه وتبعه عليه الزركشي . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله في المتن والشرح : ولو على الحلال ) قال في الروض وشرحه : فصل : وللحلال ولو كافرا ملتزم الأحكام حكم المسلم المحرم في صيد الحرم من تحريم تعرض ولزوم جزاء غيره . ا هـ .

                                                                                                                              ( فرع ) قتل أي حلال في الحل حمامة ولها في الحرم فرخ أي فهلك ضمنه أو عكسه أي بأن قتلها في الحرم ولها في الحل فرخ فهلك ضمنها ولو نفر محرم صيدا أو نفره حلال في الحرم فهلك بسببه ضمنه لا إن أتلفه حلال إلخ قال في شرحه فلا ضمان على المنفر بل على المتلف تقديما للمباشرة . ا هـ .

                                                                                                                              وظاهره أن المنفر ليس طريقا وهو خلاف ما هو مرتضاه في شرح الروض فيما لو أمسكه محرم فقتله محرم آخر من ضمان الممسك طريقا إلا أن يفرق بين التنفير والإمساك فليراجع ( قوله : فعلم أنه لو رمى إلخ ) عبارة الروض [ ص: 182 ] وكذا أي يضمنه لو كانا في الحل ومر السهم لا الكلب في الحرم إن لم يتعين طريقا ولو دخل الصيد الحرم فقتله السهم فيه ضمنه لا الكلب لا إن عدم الصيد مفرا غير الحرم . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وأخذ منه إلخ ) الآخذ شيخ الإسلام في شرح الروض ( قوله : أصلا ) أي وهو مسألة المجموع والكفاية وفرعا أي وهو المأخوذ .

                                                                                                                              ( قوله : وبفرض إمكان الفرق بين هذين إلخ ) لا خفاء في إمكان الفرق ، ثم الإشارة ترجع لقول الشارح ولو أخرج يده من الحرم إلخ ولقوله أيضا لقول البغوي إلخ ش ( قوله : وإذا أثر وجود بعض المعتمد عليه إلخ ) أي كما تقرر في قولنا السابق أي ما اعتمد عليه إلخ وقوله : في الحرم متعلق بوجود ( قوله : في صورتنا ) أي المأخوذة مما ذكر ( قوله : ومثله ما لو نصب شبكة إلخ ) هذه هي السابقة في قوله لقول البغوي نفسه إلخ ( قوله : بخلاف عكسه ) أي بخلاف نظيره في الرمي السابق في قوله أو عكسه .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : نظير ما مر ) أي في شرح اصطياد كل مأكول بري ( قوله : حال كون ذلك إلخ ) إشارة إلى أن في الحرم حال من ذلك كردي عبارة المغني .

                                                                                                                              ( تنبيه ) قول المصنف في الحرم حال من ذا المشار به إلى الاصطياد وهو متعلق بالصائد والمصيد صادق بما إذا كانا في الحرم أو أحدهما فيه والآخر في الحل . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أو المصيد إلخ ) يخرج ما إذا [ ص: 181 ] اعتمد على ما بالحل فقط سم ( قوله : أو الآلة كالشبكة وحدها ) أي بأن تكون في طرف الحرم فيدخل الصيد رأسه فقط فيتعقل بها ونائي ( قوله : أي ما اعتمد إلخ ) تفسير لقوله الصائد وحده أو المصيد وحده ( وقوله : القائم ) صفة الصائد أو المصيد ( وقوله : من الرجلين إلخ ) بيان لما اعتمد إلخ ( وقوله : في الحل ) متعلق بقوله ، وإن اعتمد إلخ ، ( وقوله : أو مستقر إلخ ) عطف على قوله ما اعتمد إلخ كردي ( قوله : تغليبا إلخ ) قد يصدق تغليب التحريم بوضع إحدى قوائم الصيد الأربع في الحرم والثلاثة الباقية في الحل مع الاعتماد على الجميع ، وكون المصاب ما في الحل سم ( قوله : أو مستقر إلخ ) عبارة النهاية والأسنى ولا أثر لكون غير قوائمه في الحرم كرأسه أي الذي لم يعتمد عليه وحده إن أصاب ما في الحل ، وإلا ضمنه كما ذكره الأذرعي والزركشي هذا في القائم فغيره العبرة بمستقره ولو كان نصفه في الحل ونصفه في الحرم حرم كما جزم به بعضهم تغليبا للحرمة . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ما عداه ) أي ما عدا ما اعتمد عليه المصيد القائم إلخ أو مستقر غير القائم ( قوله : لكن الذي اعتمده إلخ ) اعتمده الأسنى والنهاية قال الونائي والتحفة . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : مطلقا ) أي سواء كان مستقره في الحرام أم لا كردي والأولى أخذا من سم عن الأسنى سواء كان ما اعتمد عليه من القوائم أو المستقر في الحرم أم لا ( قوله : للمستقر ) أراد به هنا ما يشمل القوائم قول المتن ( في الحرم ) متعلق من حيث المزج بقول الشارح كون ذلك الاصطياد ( قوله : ولو على الحلال ) لا يخفى ما في هذه الغاية بل لا يظهر لها معنى إلا لو جعل على بمعنى من وصح لغة ( قوله : ولو على الحلال ) أي ولو كان كافرا ملتزما للأحكام أسنى ومغني ونهاية ( قوله : إجماعا ) إلى قوله ولو سعى في المغني ، وإلى قوله وفيه نظر في النهاية ( قوله : فغيره إلخ ) أي نحو الإمساك والجرح نهاية ( قوله : فعلم إلخ ) لعل من قوله الصادق بكون الصائد إلخ وفيه تأمل .

                                                                                                                              ( قوله : أنه لو رمى من في الحل إلخ ) عبارة الروض وكذا أي يضمنه لو كانا في الحل ومر السهم لا الكلب في الحرم إن لم يتعين طريقا ولو دخل الصيد الحرم فقتله السهم فيه ضمنه لا الكلب إلا إن عدم الصيد مفرا غير الحرم . انتهت ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله : بخلاف نحو الكلب إلخ ) عبارة النهاية ويضمن حلال أيضا بإرساله وهما في الحل أيضا كلبا معلما تعين الحرم عند الإرسال لطريقه ، وإن لم تكن هي الطريق المألوفة ؛ لأنه ألجأه إلى الدخول بخلاف ما إذا لم يتعين ؛ لأن له اختيارا ، ولا كذلك السهم ولو دخل صيد رمى إليه أو [ ص: 182 ] إلى غيره وهو في الحل الحرم فقتله السهم فيه ضمنه وكذا لو أصاب صيدا فيه كان موجودا فيه قبل رميه إلى صيد في الحل ولا يضمن مرسل الكلب بذلك إلا إن عدم الصيد ملجأ غير الحرم عند هربه ونقل الأذرعي أنه لو أرسل كلبا أو سهما من الحل إلى صيد فيه فوصل إليه في الحل وتحامل الصيد بنفسه أو نقل الكلب له في الحرم فمات فيه لم يضمنه ولم يحل أكله احتياطا لحصول قتله في الحرم . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : طريقا ) أي للكلب ( وقوله : أو مفرا له ) أي للصيد نهاية ( قوله : ولو سعى إلخ ) أي الحلال أو الصيد ( وقوله : فقتله ) أي الصيد في الحل عبارة النهاية ، وإنما لم يضمن من سعى من الحرم إلى الحل أو من الحل إلى الحل لكن سلك في أثناء سعيه الحرم فقتل الصيد من الحل ؛ لأن ابتداء الصيد إلخ . ا هـ .

                                                                                                                              وعبارة المغني ولو سعى الصيد من الحرم إلى الحل فقتله الحلال أو سعى من الحل إلى الحل ولكن سلك في أثناء سعيه الحرم فإنه لا ضمان قطعا قاله في المجموع . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : في الأولى ) أي في مسألة السعي ( قوله : ولو أخرج ) أي الحلال ( قوله : وأخذ منه إلخ ) الآخذ شيخ الإسلام سم عبارة الونائي عقب ذكر المسألتين الأصل ثم الفرع من غير تعرض للأخذ نصها كما في الإمداد والنهاية وشرح العباب وذكر في التحفة أن في المسألة الثانية نظرا ظاهرا لقولهم لو نصبها محرما ثم حل ضمن انتهى . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : من بالحرم ) أي الحلال ( قوله : أصلا ) أي وهو مسألة المجموع والكفاية ( وفرعا ) وهو المأخوذ سم ( قوله : ولو نصبها ) أي الشبكة بالحل ( قوله : وبفرض إمكان الفرق بين هذين ) لا خفاء في إمكان الفرق ثم الإشارة ترجع لقول الشارح ولو أخرج يده من الحرم إلخ ولقوله أيضا لقول البغوي إلخ شارح . ا هـ سم وقوله : لا خفاء إلخ أي ؛ لأنه يغتفر في الحلال ما لا يغتفر في المحرم ( قوله : وإذا أثر وجود بعض المعتمد إلخ ) أي كما تقرر في قولنا السابق أي ما اعتمد عليه إلخ ( وقوله : في الحرم ) متعلق بوجود ( وقوله : في صورتنا ) أي المأخوذة مما ذكر سم ( قوله : فيه ) خبران والضمير للحرم ( قوله : هي اليدان إلخ ) الأولى الموافق لسابق كلامه الإفراد ( قوله : لعل ذلك ) خبره محذوف أي لعل ذلك ثابت كردي أي أو اسمه محذوف أي لعله أي البغوي ذلك أي لا يرى هذا الاعتماد إلخ ( قوله : ولو كان محرما ) إلى قوله أو ينفر صيدا في المغني إلا قوله ولو غير معلم ، وإلى قوله ومفهوم لم يضطر إلخ في النهاية إلا ما ذكر وقوله : ويزلق إلى وفارق وقوله : لم يضطر إلى ميتة ( قوله : أو عكسه ) أي بأن رماه قبل إحرامه أو دخوله في الحرم فأصابه بعده ( قوله : نظير ما مر ) أي فيما لو اعتمد على رجليه معا وكانت إحداهما في الحرم فقط بصري ( قوله : ومثله ما لو نصب شبكة إلخ ) هذه هي السابقة في قوله لقول البغوي نفسه إلخ سم ( قوله : محرما ) أي أو وهو في الحرم نهاية ومغني ( قوله : للاصطياد إلخ ) أي لا لنحو إصلاحها ونائي عبارة المغني ولو نصبها للخوف عليها من مطر ونحوه لم يضمن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ثم تحلل إلخ ) عبارة المغني والنهاية سواء أنصبها في ملكه أم في غيره ووقع الصيد قبل التحلل أم بعده أم بعد موته . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لتعديه ) أي في حال نصبها نهاية ( قوله : بخلاف عكسه ) أي بخلاف ما لو نصبها بغير الحرم وهو حلال ثم أحرم فلا يضمن ما تلف بها نهاية ومغني ( قوله : ولو أدخل إلخ ) أي الحلال ( وقوله : تصرف فيه بما شاء ) أي فلا يحرم على حلال التعرض له ببيع أو شراء أو غيرهما من أكل أو ذبح ولو دل المحرم آخر على صيد ليس في يده فقتله أو أعانه بآلة أو نحوها أثم ولا ضمان أو في يده ضمن ولا يرجع [ ص: 183 ] على القاتل إن كان حلالا ، وإلا رجع نهاية ومغني .




                                                                                                                              الخدمات العلمية