الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : لا بعظم وروث وطعام ويمين ) أي لا يستنجي بهذه الأشياء والمراد أنه يكره بها كما صرح به الشارح والظاهر أنها كراهة تحريم للنهي الوارد في ذلك لما روى البخاري من حديث أبي هريرة في بدء الخلق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له { ابغني أحجارا استقض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة قلت : ما بال العظام والروثة قال هما من طعام الجن } .

                                                                                        وروى أصحاب الكتب الستة عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه وإذا شرب فلا يشرب نفسا واحدا } وفي القنية في شرح السنة جمع الحديث النهي عن الاستنجاء باليمين ومس الذكر باليمين ولا يمكنه إلا بارتكاب أحدهما فالصواب أن يأخذ الذكر بشماله فيمره على جدار أو موضع ناء من الأرض ، وإن تعذر يقعد ويمسك الحجر بين عقبيه فيمر العضو عليه بشماله ، فإن تعذر يأخذ الحجر بيمينه ولا يحركه ويمر العضو عليه بشماله قال مولانا نجم الدين وفيما أشار إليه من إمساك الحجر بعقبيه حرج وتعسير وتكلف بل يستنجى بجدار إن أمكن وإلا يأخذ الحجر بيمينه ويستنجي بيساره ا هـ .

                                                                                        وليس مراده القصر على هذه الأشياء فإن ما يكره الاستنجاء به ثلاثة عشر كما في السراج الوهاج العظم والروث والرجيع والفحم والطعام والزجاج والورق والخزف والقصب والشعر والقطن والخرقة وعلف الدواب مثل الحشيش وغيره

                                                                                        فإن استنجى بها أجزأه مع الكراهة لحصول المقصود ، والروث وإن كان نجسا عندنا بقوله عليه الصلاة والسلام { فيها ركس أو رجس } لكن لما كان يابسا لا ينفصل منه شيء صح الاستنجاء به ; لأنه يجفف ما على البدن من النجاسة الرطبة والرجيع العذرة اليابسة وقيل الحجر الذي قد استنجي به وفي فتح القدير ولا يجزئه الاستنجاء بحجر استنجى به مرة إلا أن يكون له حرف آخر لم يستنج به . ا هـ .

                                                                                        والورق قيل : إنه ورق الكتابة ، وقيل : إنه ورق الشجر وأي ذلك كان فإنه مكروه ، وأما الطعام فلأنه إسراف وإهانة ، وإنما كرهوا وضع المملحة على الخبز للإهانة فهذا أولى وسواء كان مائعا أو لا كاللحم ، وأما الخزف والزجاج والفحم فإنه يضر بالمقعدة ، وأما باليمين فللنهي المتقدم ، فإن كان باليسرى عذر يمنع الاستنجاء بها جاز أن يستنجي بيمينه من غير كراهة ، وأما باقي هذه الأشياء فقيل إن الاستنجاء بها يورث الفقر ، وقد قدمنا أن التحقيق أن الاستنجاء لا يكون إلا سنة فينبغي أنه إذا استنجى بالمنهي عنه أن لا يكون مقيما لسنة الاستنجاء أصلا فقولهم بالإجزاء مع الكراهة تسامح ; لأن مثل هذه العبارة تستعمل في الواجب وليس به . والله الموفق للصواب .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فالصواب أن يأخذ الذكر بشماله إلخ ) قال الرملي : وأما الاستنجاء بالماء فلم أر من علمائنا من صرح بكيفية أخذه وصبه ورأيت في كتب الشافعية ويسن أن لا يستعين بيمينه في شيء من الاستنجاء بغير عذر فيأخذ الحجر بيساره بخلاف الماء فإنه يصبه بيمينه ويغسل بيساره ولا مانع منه عندنا فالظاهر أن مذهبنا كذلك هذا هو المعهود للناس فلعلهم إنما تركوه لظهوره . والله تعالى أعلم . ثم رأيت في الضياء المعنوي شرح مقدمة الغزنوي ويفيض الماء بيده اليمنى على فرجه ويعلي الإناء ويغسل فرجه بيده اليسرى إذا لم يكن عذر ، فإن كان بيده اليسرى عذر يمنع من الاستنجاء بها جاز الاستنجاء باليمنى من غير كراهة ا هـ . فهو بحمد الله تعالى كما بحثته .




                                                                                        الخدمات العلمية