الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمد بن بشار ، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي ) : بفتح الميم وتشديد الياء ، اسم مفعول من الهداية ، ثقة ، ثبت ، عدل ، حافظ ، عارف بالرجال . ( عن إبراهيم بن نافع المكي ) : أي المخزومي ، ثقة ، حافظ ، روى عنه الأئمة الستة . ( عن ابن أبي نجيح ) : بفتح نون وكسر جيم . ( عن مجاهد ، عن أم هانئ ) : سبق ضبطها . ( قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا ضفائر أربع ) : جمع ضفيرة كغدائر جمع غديرة وهما بمعنى ، والضفر نسج الشعر وغيره ، والضفيرة العقيصة ، قال ابن حجر : وفيه حل ضفر الشعر حتى للرجال ، وليس يختص بالنساء إلا باعتبار ما اعتيد في أكثر البلاد في هذه الأزمنة المتأخرة ولا اعتبار بذلك ، أقول عادة السادة في بعض البلدان أيضا هي الضفر أيضا ، لكن على غديرتين واقعتين بين يديهم تفرقة بينهم وبين النساء إذ عادتهن وضع الضفائر خلفهن ، وهذا الفرق يكفي في عدم التشبه بهن ، والله أعلم . قال ميرك : واعلم أن الروايات قد اختلفت في وصف شعره صلى الله عليه وسلم ففي رواية لأنس : شعره في نصف أذنيه . وفي رواية له : كان يبلغ شعره شحمة أذنيه . ويوافقه حديث البراء ، وفي حديث عائشة : كان له شعر فوق الجمة ودون الوفرة . أو العكس ، ويوافقه رواية : بين أذنيه وعاتقه ، كما في البخاري من حديث أنس ، وفي حديث أم هانئ : له أربع غدائر . وهذا محصل الأخبار التي أوردها المصنف في هذا الباب ، وتقدم في الباب الأول من حديث البراء بلفظ : له شعر يضرب منكبيه . وهو المخرج في الصحيح أيضا ، فهذه ست روايات ; الأولى : نصف أذنيه ، الثانية : إلى شحمة أذنيه ، والثالثة : بين أذنيه وعاتقه ، الرابعة : أنه يضرب منكبيه [ ص: 99 ] الخامسة قريب منه ، السادسة : له أربع غدائر . إذا تقرر ذلك فاعلم أن القاضي عياضا قال : الجمع بين هذه الروايات أن من شعره ما كان في مقدم رأسه وهو الواصل إلى نصف أذنيه ، والذي بعده هو ما بلغ شحمة الأذن وما يليه هو الكائن بين أذنيه وعاتقه ، وما كان خلف الرأس هو الذي يضرب منكبيه أو يقرب منه ، انتهى . وهو لا يخلو من بعد ; لأن الظاهر أن من وصف شعره صلى الله عليه وسلم أراد مجموعه أو معظمه لا كل قطعة قطعة منه ، وقال النووي تبعا لابن بطال : إن الاختلاف المتقدم بحسب اختلاف الأوقات وتنوع الحالات فإذا غفل عن تقصيره بلغ إلى المنكبين ، وإذا قصره كان إلى أنصاف الأذنين ، فطفق يقصر ثم يطول شيئا فشيئا ، وعلى هذا ترتيب اختلاف الرواة فكل واحد أخبر عما رآه في وقت من الأحيان بوصف من الأوصاف المذكورة ، انتهى . وهذا الجمع لا يخلو عن تأمل أيضا ; إذ لم يرو تقصير الشعر منه صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة كما وقع في الصحيحين ، وقد اضطرب قول الشراح في تحقيقه لفظا ومعنى كما بين في موضعه وإذا كان كذلك فلا يناسب أن يقال : فطفق يقصر ثم يطول شيئا فشيئا ، فالأولى أن يقال ثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في عمرته وحجه أيضا ، فإذا كان قريبا من الحلق كان إلى أنصاف أذنيه ثم يطول شيئا فشيئا فيصير إلى شحمة أذنيه وما بين أذنيه وعاتقه ، وغاية طوله أنه يضرب منكبيه إذا طال زمان إرساله بعد الحلق فأخبر كل راو بما رآه ، ثم رأيت في كلام بعض شراح المصابيح ما يؤيد هذا الجمع فإنه قال : لعل الاختلاف في مقدار شعره صلى الله عليه وسلم هذا بحسب اختلاف الأزمان فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحلق رأسه في سني الهجرة إلا عام الحديبية ثم عام هجرة القضاء ثم عام حجة الوداع . ونقل العسقلاني عن ابن التين تبعا للداودي : قوله : " يبلغ شعره شحمة أذنيه " مغاير لقوله " إلى منكبيه " . وأجيب بأن المراد أن معظم شعره كان عند شحمة أذنيه ، وما استرسل منه يصل إلى المنكبين أو يحمل على الحالين . ويؤيد الأول ما ورد من طريق أبي إسحاق في المناقب بلفظ : له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه ، وحاصله أن الطويل منه يصل إلى المنكبين وغيره إلى شحمة الأذنين . ويمكن أن يكون المعنى منتهيا في بعض الأوقات إلى منكبيه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية