الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 281 ] القسم الثاني باعتبار التركيب والإفراد

                                                      ويطلق المفرد باصطلاح النحويين على أربعة معان : أحدها : مقابل المثنى والمجموع ، وهو اللفظ بكلمة واحدة . الثاني : مقابل المضاف في باب النداء ولهذا يقولون : المنادي مفرد ومضاف . والثالث : مقابل الجملة في باب المبتدأ وهو المراد بقولهم : الخبر قد يكون مفردا وقد يكون جملة . الرابع : مقابل المركب . أما المفرد باصطلاح المنطقيين فهو ما دل على معنى ولا جزء من أجزائه يدل بالذات على جزء من أجزاء ذلك المعنى كإنسان ، وإن شئت فقل : هو ما لا يراد بالجزء منه دلالة أصلا على معنى حين هو جزؤه كأحمد .

                                                      [ تعريف المركب ]

                                                      وأما المركب فما دل جزؤه على جزء المعنى المستفاد منه حين هو جزؤه [ ص: 282 ] سواء كان تركيب إسناد كقام زيد ، وزيد قائم ، أم تركيب مزج كخمسة عشر ، أو إضافة كغلام زيد ، وأما عبد الله فإن كان دالا على الذات فهو مفرد ، وإن كان دالا على الصفات فهو مركب . والمراد بالجزء ما صار به اللفظ مركبا كحروف زيد ، فلا يرد الزاي من " زيد قائم " ، فإنها لا تدل على جزء المعنى ، وكذلك أوردوا على أنفسهم كون الماضي يجب أن يكون مركبا ، لأن مادته تدل على المصدر وزنته على خصوص الزمن ، فأجابوا بأن المعنى بقولنا الجزء ليس مطلق الجزء ، بل الأجزاء المترتبة في السمع ، وقالوا : ونحو بعلبك مركب عند النحويين ، لأنه كلمتان ومفرد عند الأصوليين ، لأنه لا يدل جزؤه على جزء معناه ، و " أقوم " و " نقوم " و " يقوم " مركب عند الأصوليين ، لأن جزأه يدل على جزء معناه ، لأن حرف المضارعة منها يدل على الفاعل المتكلم وحده والمتكلم ومعه غيره ، والمخاطب منها ونفس الكلمة تدل على الحدث والزمان ، ومفرد عند النحويين ، لأنه لفظ بكلمة واحدة .

                                                      أما " يقوم " بالغيبة ، ففيه قولان عند المنطقيين ، فقيل : هو مفرد ، وقيل : هو مركب ، ونقل عن ابن سينا ، والصحيح عند المتأخرين : أنه مركب كسائر الأفعال المضارعة ، وإنما قالوا : حين هو جزؤه ليحترزوا من مثل أبكم ، وإنسان ، فإن كل واحد من جزئه يدل على معنى لكن لا على جزء مسماه حين هو جزؤه ، وإنما يدل على معنى في الجملة ، ألا ترى أن " الأب " اسم للوالد " ، و " كم " اسم للعدد ؟ لكن لا من حيث إن كل واحد من اللفظين جزء من الآخر حين هو جزؤه ، وكذلك : إنسان ، ألا ترى أن " إن " حرف شرط يدل على الشرطية ؟ لكن لا من حيث هي جزء " إن " . وزعم الزمخشري وتبعه ابن يعيش في أول شرح المفصل وابن إياد [ ص: 283 ] أن الرجل مركب فإنه يدل على معنيين التعريف والمعرف ، وهو من جهة النطق لفظة واحدة وكلمتان ، وكذلك " ضربا " و " ضربوا " ، قال الزنجاني في الهادي : وهذا غلط ، لأن الرجل ونظائره لفظتان لا لفظة واحدة ، ثم ينتقض ما ذكره بنحو " ضرب " ، فإنه يدل على معنيين الحدث والزمان ، وأنه كلمة باتفاق .

                                                      قلت : لعل الزمخشري بناه أن المعرف اللام وحدها ، وحينئذ فهي لفظة واحدة ، واللام كالتنوين في زيد ، فإن قلنا : إن المعرف " أل " فهو لفظتان لإمكان التلفظ بها وحدها .

                                                      والحاصل : أن أمثلة المضارع خلا الغائب مركبات قطعا ، وأمثلة الماضي مفردات قطعا ، وأمثلة الأوامر مركبات عند المنطقيين وصرح ابن مالك في أول شرح التسهيل بأن " ياء " النسب ، و " ألف " ضارب " وميم " مكرم ، يدل على معنى ، ولكن لا بالوضع وقال ابن الساعاتي : المجموع هو الدال على شخص مسمى بذلك ، لا أن الحرف دل بنفسه . ومأخذ الخلاف بينهم أن النحاة يترجح نظرهم في جانب الألفاظ ، وأولئك يترجح نظرهم في جانب المعاني ، وعلى هذا " عبد الله " ونحوه ، إن أريد به العلمية كان مفردا بمثابة زيد وعمرو ، لأن جزأها لا يدل على معناها ، وإن أريد به نسبة العبودية إلى مستحقها ، فهي مركبة ، لدلالة جزئها على جزء معناها . [ ص: 284 ]

                                                      وقد اجتمع الأمران في حديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، فقال : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن زيد بن أسلم ، قال : { كان ابن عمر يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه وعليه إزار يتقعقع ، يعني جديدا ، فقال : من هذا ؟ فقلت : عبد الله فقال : إن كنت عبد الله فارفع إزارك ، قال : فرفعته وكان طويلا } .

                                                      فقول ابن عمر : عبد الله ، يعني أنا عبد الله فهو مفرد ، لأنه أراد العلمية ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن كنت عبد الله ) فهو مركب تركيبا إضافيا ، لأن مراده نسبة العبودية إلى الله ، فالإفراد العلمي طار على التركيب الإضافي ، وهو يلوح فيه .

                                                      ويقال للمركب : مؤلف لا فرق بينهما عند المحققين كما قاله الأصفهاني ، ومنهم من فرق بينهما بأن المركب ما دلت أجزاؤه إذا انفردت ، ولا تدل إذا كانت أجزاء كعبد الله ، فإنه إذا كان علما كان بمنزلة زيد ، فلا تدل أجزاؤه في هذه الحالة على شيء ، ولو انفردت الأجزاء كانت دالة ، لأن عبدا دل على ذات اتصفت بالعبودية ، والمؤلف ما دلت الأجزاء في حال البساطة وحال التركيب ، كقولنا : الإنسان حيوان ، فإن كل واحد من هذه الأجزاء يدل إذا انفرد ، وإذا كان جزءا

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية