الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فصل في تفريق الصفقة وتعددها وتفريقها : إما في الابتداء أو الدوام [ ص: 478 ] أو في الأحكام ، وسيأتي هكذا وضابط الأول أن يشتمل العقد على ما يصح بيعه وما لا يصح فإذا ( باع ) في صفقة متحدة ( خلا وخمرا ) أو خنزيرا وشاة ( أو ) باع ( عبده وحرا أو عبده وعبد غيره ) ( أو ) باع ( مشتركا بغير إذن الآخر ) أي الشريك كما قال الشارح ، وإنما قصر كلام المصنف عليه لئلا يعود إلى مسألة بيع عبده وعبد غيره ، وقد يقال بصحة رجوعه لهما أيضا ليفيد الصحة فيهما بإذن الآخر ، لكن محله إن فصل الثمن وحينئذ فقد تعدد العقد وذلك لا يضر في المفهوم ، فإن لم يفصله لم يصح في شيء للجهل بما يخص كلا منهما عند العقد ( صح في ملكه في الأظهر ) وبطل في الآخر إعطاء لكل منهما حكمه سواء أقال هذين أم هذين الخلين أم القنين أم الخل والخمر والقن والحر ، أما [ ص: 479 ] عكسه كبعتك الحر والعبد فباطل في الكل ، قاله الزركشي ; لأن العطف على الممتنع ممتنع .

                                                                                                                            ومن ثم لو قال نساء العالمين طوالق وأنت يا زوجتي لم تطلق لعطفها على من لم تطلق ، قال الوالد رحمه الله تعالى : وليس هذا القياس بصحيح وإنما قياسه أن يقول هذا الحر مبيع منك وعبدي فإنه لا يصح ، بخلاف المثال المذكور فإنه يصح في العبد إذ العامل في الأول عامل في الثاني ، وقياسه في الطلاق أن يقول طلقت نساء العالمين وزوجتي فإنها تطلق في هذه الحالة ، وما ذكره المصنف مثال وإلا فهو جار في الجمع بين كل ما يصح فيه العقد وما لا يصح ، لكن بشرط العلم في نحو المبيع ليأتي التوزيع الآتي فلو جهله أحدهما لم يصح فيهما كما يأتي في بيع الأرض مع بذرها ، ويجري تفريق الصفقة في غير البيع كإجارة ونحوها إلا فيما إذا كان كل واحد قابلا للعقد لكن امتنع لأجل الجمع كنكاح الأختين فلا يجري فيهما اتفاقا وإنما بطل في الجميع فيما لو أجر الراهن المرهون مدة تزيد على محل الدين أو الناظر الوقف أكثر مما شرطه الواقف لغير ضرورة أو استعار شيئا ليرهنه بدين فزاد عليه لخروجه بالزيادة عن الولاية على العقد فلم يمكن التبعيض ، وفيما إذا فاضل في الربوي كمدبر بمدين منه أو زاد في خيار الشرط على ثلاثة أيام لما يأتي فيه [ ص: 480 ] أو في العرايا على القدر الجائز لوقوعه في العقد المنهي عنه وهو لا يمكن التبعيض فيه ، وفيما لو كان بين اثنين أرض مناصفة فعين أحدهما منها قطعة محفوفة بجميعها وباعها من غير إذن شريكه فلا يصح في شيء منها كما نقله الزركشي عن البغوي وأقره ; لأنه يلزم على صحته في نصيبه منها الضرر العظيم للشريك بمرور المشتري في حصته إلى أن يصل إلى المبيع ا هـ .

                                                                                                                            ويظهر حمله على ما إذا تعين الضرر طريقا ، وإلا فالأوجه خلافه لتمكنه من رفع ذلك بالشراء أو الاستئجار للممر أو القسمة فلم يتعين الإضرار ، ويؤيده ما مر في مبحث ما ينقص بقطعه ، ولا ينافيه ما مر من عدم صحة بيع مسكن بلا ممر مطلقا لشدة حاجته إلى الممر بخلاف ما هنا ، وخرج بقوله بغير إذن الآخر بيعه بإذنه فيصح جزما ، ولا يشكل على ما ذكر في عبده وعبد غيره ولا على ما يأتي من أن الصحة في الحل بالحصة من المسمى باعتبار قيمتهما قولهم لو باع عبديهما بثمن واحد لم يصح للجهل بحصة كل عند العقد ; لأن التقويم تخمين وهذا بعينه جار فيما هنا إذ نحو عبده الذي صح البيع فيه ما يقابله مجهول عند العقد لظهور الفرق ، إذ الجهل هنا لا يترتب عليه محذور وهو التنازع لا إلى غاية لاندفاع الضرر بثبوت الخيار للمشتري بخلافه في تلك فإن صحته فيهما يترتب عليها ذلك المحذور .

                                                                                                                            لا يقال : قد لا يثبت الخيار للمشتري بسبب كونه عالما بالمفسد كما يأتي فلم صح المبيع في الحل حينئذ مع الجهل حالة العقد بحصته من الثمن ووقوع التنازع بينهما لا إلى غاية وانقطاعه بقول المقومين جار في الصورتين بلا فرق .

                                                                                                                            لأنا نقول : الفرق بينهما أن إيراد العقد عليهما مع العلم بالحرام نادر فأعطوه حكم الغالب من عدم الصحة في الحرام إعطاء لكل منهما حكمه لا في ثبوت الخيار تغليظا عليه ، ولم يبالوا بتخلف علتهم فيه لندوره ، والتعاليل إنما تناط بالأعم الأغلب ، وأوضح من ذلك أن يقال إن التنازع فيما نحن فيه يؤدي إلى الاختلاف في قدر الثمن وهو يرتفع بالتحالف المؤدي للفسخ وثم التنازع بين البائعين ولا تخالف فيه فيدوم ، ومقابل الأظهر البطلان في الجميع تغليبا للحرام على الحلال .

                                                                                                                            قال الربيع : وإليه رجع الشافعي آخرا ورد باحتمال كونه آخرهما في الذكر لا في الفتوى ، وإنما يكون المتأخر مذهب الشافعي إذا أفتى به ، أما إذا ذكره في مقام الاستنباط والترجيح ولم يصرح بالرجوع عن الأول فلا ، والقولان بالأصالة في بيع عبده وعبد غيره وطردا في بقية الصور والصحة [ ص: 481 ] في الأولى دونها في الثانية ، وفي الثانية دونها في الثالثة ، وفي الثالثة دونها في الرابعة لما مر في التقدير في الأولين مع فرض تغيير الخلقة في الأولى ، ولما في الثالثة من الجهل بما يخص عبد البائع بخلاف ما يخصه في الرابعة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في تفريق الصفقة . ( قوله الصفقة ) أي العقد ، وسمي بذلك ; لأن أحدهم كان يضرب يده في يد صاحبه عند العقد . قال الشيخ عميرة : اعلم أن الصفقة هي العقد ، فوجه التسمية في النوعين الأولين ظاهر وذلك ; لأن في كل منهما قولا بأن الصفقة تفرق ما اشتملت عليه فيصح في الصحيح ويبطل في غيره وأما الثالث فليس فيه إلا الصحة فيهما أو البطلان فيهما . [ ص: 478 ] قال الإسنوي : لكن لما كان في الحكم بالبطلان لأجل افتراقهما في الحكم قولان عبر عنهما بقولي تفريق الصفقة ا هـ سم على منهج ، وفيه أن ما ذكره الإسنوي إنما يتجه على من جعل التفريق من حيث الخلاف المشتمل على قولين أحدهما بالصحة ، والآخر بالفساد . وأما على مثل هذه العبارة فقد يقال : لا يرد مثل ذلك ; لأن ما ذكره من الجمع بين الحلال والحرام يصدق عليه أن فيه تفريق الصفقة إما بصحة أحد العقدين وبطلان الآخر ، أو بالنظر لما يترتب على العقدين المشمولين للعقد الذي أتى به المتعاقدان من الأحكام المختلفة .

                                                                                                                            ( قوله : أو في الأحكام ) أي بأن اختلفت ، ولو عبر به كما فعل الشيخ كان أوضح لما عبر به المصنف بعد اللهم إلا أن يقال : أشار به إلى أن الصفقة تتفرق وإن اتفقا في الحكم كالشركة والقراض ، ثم رأيت في نسخة أو في اختلاف ، وعليها فلا يتوجه السؤال ( قوله : وضابط الأول ) هو قوله أما في الابتداء ( قوله : أو باع مشتركا ) شامل لما إذا جهل قدر حصته حال البيع وهو موافق لما يأتي عن الروياني ا هـ سم على حج . وظاهره سواء باع الكل أو البعض ، وهو بعمومه مناف لما سبق للشارح بعد قول المصنف الخامس العلم من قوله وهل لو باع حصة فبان أكثر من حصته صح في حصته كما لو باع الدار كلها إلخ حيث استقرب فيه عدم الصحة ، بخلاف ما لو باع الدار كلها في صورة الجهل ، وقد يحمل ما هنا على ما تقدم من الصحة في بيع الكل دون البعض فلا مخالفة بينهما ، وعبارة سم في أثناء كلام طويل بعد نقله عبارة الروياني التي أحال عليها نصها : والحاصل أن ما يصح فيه البيع لا بد أن يكون معلوما حال العقد وإلا لم يصح فيه البيع ، وأما الآخر فيكفي العلم به ولو بعد ذلك ، فالشرط فيه إمكان علمه ولو بعد فليتأمل ا هـ ( قوله : وإنما قصر ) أي المحلي ( قوله عليه ) أي الشريك ( قوله : لهما ) أي العبدين ( قوله : للجهل ) هذا المعنى موجود فيما إذا لم يأذن مع أنه صح في أحدهما إلا أن يفرق بشدة الجهل إذا أذن ; لأنه حينئذ في ثمنين وهنا في واحد ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وسيأتي الجواب عنه في قول الشارح لظهور الفرق إذ الجهل إلخ ( قوله : والقن ) وبقي مما يقتضيه التعميم ما لو قال بعتك هذين الخمرين أو الحرين وأشار إلى الخل ، وعبر عنه بالخمر أو إلى الخمر وعبر عنه بالخل ، وكذا في مسألة الحر والعبد فانظر هل يصح في هذه الصور أو لا ، وظاهر قول شيخنا الزيادي في حاشيته أو وصفه بغير صفته الصحة ، وتوجه بأن العبرة بما في نفس الأمر وذكر المبطل في اللفظ حيث خالفه ملغى ، لكن يرد عليه ما مر بالهامش في الشرط الخامس عن سم على حج من أنه لو سمى المبيع بغير اسم جنسه لم يصح ا هـ . إلا أن يقال : لما كان ما هنا كالجنس الواحد وإنما اختلفا بصيغة الحرية والرقبة والخمر والخل مع اتحاد الأصل وهو [ ص: 479 ] الإنسان والعصير نزلا منزلة اختلاف النوعين فلم يضر ذلك ، أو يقال : إنه لما سمى الخل والعبد بما لا يرد البيع على مسماه أصلا جعل لغوا ، بخلاف القطن مثلا إذا سماه بغير اسمه كالحرير أخرجه إلى ما يصلح أن يكون موردا للبيع ، ولم يوجد ذلك المسمى في الخارج أبطل العقد لعدم وجود ما يتعلق به مع إمكانه ( قوله : والخمر ) ومثل ذلك ما لو سماها بغير اسمها ( قوله : فباطل ) ضعيف ( قوله : وأنت يا زوجتي ) وكذا بدون أنت كما يقتضيه قوله بعد وإنما قياسه أن يقول هذا الخمر مبيع منك إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : بخلاف المثال المذكور ) هو قوله كبعتك الحر والعبد ( قوله : وما ذكره المصنف ) أي من الأمثلة ( قوله : في نحو المبيع ) هو بمعنى الباء والمراد بنحو المبيع ما انضم إليه من الحرام بشرط العلم به ليتأتى التوزيع ( قوله : ونحوها ) أي من كل ما أورد فيه العقد على ما يصح وما لا يصح كأن أجر مشتركا بينه وبين غيره بغير إذن الشريك أو أعار أو وهب مشتركا بغير إذن الشريك فلا يتوهم أنه يغني عن هذا ما يأتي في قول المصنف ولو جمع في صفقة إلخ ( قوله : فلا يجري ) أي التفريق فيبطل في كل منهما العقد إذ لا مزية لإحداهما على الأخرى ا هـ حج ( قوله : فيما لو أجر الراهن ) أي ولو جاهلا ومثله يقال في المستعير ، وينبغي أن محل البطلان في الرهن إذا أجره لغير المرتهن فإن أجره له صح أو لغيره بإذنه صح أيضا ( قوله : أكثر مما شرطه ) أي ثم إن وضع المستأجر يده على العين المؤجرة لزمه أجرة مثلها مدة استيلائه زادت على المسمى أم لا ، ومعلوم أن محل ذلك حيث لم تدع ضرورة إلى ذلك ، فإن دعت جاز مخالفة شرط الواقف كما ذكره بقوله لغير إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : لغير ضرورة ) سواء أكان الناظر عالما أم جاهلا خلافا لأبي زرعة ا هـ مؤلف . ونقله عنه سم على حج : أي وإنما تتحقق الضرورة حيث كانت الحاجة ناجزة كأن انهدم ولم يوجد من يستأجره بما يفي بعمارته إلا مدة تزيد على ما شرط الواقف ، أما إجارته مدة طويلة زيادة على شرط الواقف لغرض إصلاح المحل بتقدير حصول خلل فيه بما يتحصل من الأجرة لانتفاء الضرورة حال العقد والأمور المستقبلة لا يعول عليها ، ومن الضرورة ما لو صرفت الغلة للمستحقين ثم انهدم الموقوف واحتيج في إعادته إلى إيجاره مدة وليس في الوقف ما يعمر به غير الغلة فإن ذلك جائز وإن خالف شرط الواقف لما هو معلوم من أنه لا يمنع الغلة عن المستحقين ثم يدخرها للعمارة [ ص: 480 ] قوله : أو في العرايا ) أي أو زاده إلخ ( قوله على القدر الجائز ) أي وهو دون خمسة أوسق ( قوله : لوقوعه في العقد ) يتأمل فقد توجد هذه العلة في صورة التفريق ا هـ سم على حج . وقد يقال : مراده بالنهي عنه تأديته لعدم العلم بالمماثلة عند إرادة التوزيع ( قوله : وهو لا يمكن التبعيض فيه ) وإنما بطل في الزائد فقط في الزيادة في عقد الهدنة على أربعة أشهر أو عشر سنين تغليبا لحقن الدماء المحتاج إليه ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : ويظهر حمله إلخ ) لا وجه لحمله على صورة لا يتعين فيها الضرر بعد فرض الكلام في المحفوفة بملكه من سائر الجوانب وإمكان الشراء عارض بعد تمام العقد ومثله لا نظر إليه ( قوله : ويؤيده ) أي الحمل ما مر أراد به ما لو باع ذراعا معينا من أرض فإنه يصح وإن تضيقت بالمرافق لإمكان التدارك برفع العلامة ، وقد يمنع التأييد بما ذكر فإن الضرر يندفع فيه برفع العلامة مع بقاء الأرض على حالها من الشركة ولا كذلك هنا ( قوله بيعه ) أي المشترك دون العبدين ( قوله : قولهم لو باع ) أي الوكيل وعبارة حج لو باعا إلخ ( قوله : ذلك المحذور ) وهو التنازع لا إلى غاية ( قوله : فيما نحن فيه ) هو قوله عبده وعبد غيره ( قوله : وثم ) [ ص: 481 ] أي عبدهما بثمن واحد ( قوله : في الأولى ) أي في الأوليين .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 477 ] ( فصل ) في تفريق الصفقة [ ص: 478 ] قوله : لئلا يعود إلى مسألة بيع عبده وعبد غيره ) أي والمفهوم لا يصح فيها بإطلاقه بقرينة ما بعده ( قوله : وقد يقال بصحة رجوعه لهما ) كذا في كثير من النسخ بضمير التثنية ، ولعل الميم زائدة من الكتبة وهي ساقطة في بعض النسخ ( قوله : لكن محله ) أي في الأولى [ ص: 479 ] قوله : فبعتك الحر والعبد ) أي أو الخمر والخل ( قوله : وما ذكره المصنف ) أي من التمثيل بالخل والخمر والعبد والحر إلخ ، فهو غير قوله الآتي . ويجري تفريق الصفقة في غير البيع كإجارة ونحوها إلخ [ ص: 480 ] قوله لتمكنه من رفع ذلك بالشراء ) تكفل الشيخ في حاشيته برده ( قوله قولهم لو باع عبديهما بثمن إلخ ) أي بوكالة الشريك كما نبه عليه الشهاب سم ، وعبارة التحفة : لو باعا عبديهما بضمير التثنية وهي كذلك في بعض نسخ الشارح ( قوله وإنما يكون المتأخر مذهب الشافعي إذا أفتى به إلخ ) انظر هذا مع [ ص: 481 ] ما في جمع الجوامع وشرحه فربما يكون بينهما مخالفة ( قوله : دونها في الرابعة لما مر ) صوابه لما يأتي




                                                                                                                            الخدمات العلمية