الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      التسليف في ثمر قرية بعينها قلت : أرأيت إن أسلفت في ثمر قرية بعينها أو في حنطة قرية بعينها قال : قال [ ص: 60 ] مالك : من سلف في ثمر هذه القرى العظام مثل خيبر ووادي القرى وذي المروة وما أشبهها من القرى فلا بأس أن يسلف قبل إبان الثمر ، ويشترط أن يأخذ ذلك تمرا في أي الإبان شاء ويشترط أن يأخذ ذلك رطبا في إبان الرطب أو بسرا في إبان البسر .

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : وكذلك القرى المأمونة التي لا ينقطع ثمرها من أيدي الناس أبدا ، والقرى العظام التي لا ينقطع طعامها من أيدي الناس أبدا لا تخلو القرية من أن يكون فيها الطعام والثمر لكثرة نخيلها وزرعها فهذه مأمونة لا بأس أن يسلف فيها في أي إبان شاء ، ويشترط أخذ ذلك تمرا أو حنطة أو شعيرا أو حبوبا في أي الإبان شاء ، وإن اشترط رطبا أو بسرا فليشترطه في إبانه قال : وإنما هذه القرى العظام إذا سلف في طعامها أو في تمرها بمنزلة ما لو سلف في طعام مصر أو في تمر المدينة فهذا مأمون لا ينقطع من البلدة التي سلف فيها وكذلك هذا في القرى العظام إذا كانت لا ينقطع التمر منها لكثرة حيطانها ، والقرى العظام التي لا تخلو من الحنطة والشعير والقطاني ، فإن كانت قرى صغارا أو قرى ينقطع طعامها منها في بعض السنة أو تمرها في بعض السنة قال : فلا يصلح أن يسلف في هذه إلا أن يسلف في ثمرها إذا أزهى ، ويشترط أخذ ذلك رطبا أو بسرا ولا يؤخر الشرط حتى يكون تمرا ويأخذه تمرا لأنه إذا كان بهذه المنزلة في صغار الحيطان وقلتها ، وصغار القرى وقلة الأرض ، فليس ذلك بمأمون .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : بلغني أن ابن عباس كان يقول : لا بأس بالسلف المضمون إلى أجل معلوم . قلت : أرأيت إن سلف رجل في طعام قرية بعينها لا ينقطع طعامها وليس له في تلك القرية أرض ولا زرع أيجوز هذا أم لا في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم لا بأس بذلك .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن سلفت في ثمر قرية لا ينقطع ثمرها من أيدي الناس سلفت في ذلك إلى رجل ليس له فيها نخل ولا له فيها ثمر أيجوز ذلك أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم يجوز عند مالك ، ولا بأس به وهذا والأول سواء .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الله بن أبي نجيح المكي ، عن عبد الله بن أبي كثير أن ابن عباس قال : { قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار إلى السنتين والثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم } .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وبلغني أن ابن عباس سئل عن السلف في الطعام فقال : لا بأس بذلك وتلا هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } قال مالك : فهذا يجمع لك الدين كله .

                                                                                                                                                                                      قال مالك ، عن نافع : أن [ ص: 61 ] ابن عمر كان يقول : لا بأس أن يبتاع الرجل طعاما مسمى إلى أجل مسمى بسعر معلوم كان لصاحبه طعام أو لم يكن له ، ما لم يكن في زرع لم يبد صلاحه أو ثمر لم يبد صلاحه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار وعن اشترائها حتى يبدو صلاحها .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب ، عن أشهل بن حاتم ، عن عبد الله بن أبي مجالد قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السلف في الطعام فقال : كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القمح والشعير والتمر والزبيب إلى أجل معلوم وكيل معدود وما هو عند صاحبه .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية