الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 355 ] باب الإقرار بالمجمل . إذا قال : له علي شيء ، أو كذا . قيل له : فسر . فإن أبى حبس حتى يفسر فإن مات أخذوا إرثه بمثل ذلك ، إن خلف الميت شيئا يقضى منه وإلا فلا ، فإن فسره بحق شفعة أو مال ، قبل وإن قل . وإن فسره بما ليس بمال ، كقشر جوزة أو ميتة أو خمر ، لم يقبل وإن فسره بكلب أو حد قذف ، فعلى وجهين . وإن قال : غصبت منه شيئا . ثم فسره بنفسه ، أو ولده ، لم يقبل .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب الإقرار بالمجمل .

                                                                                                                          المجمل : ما لم تتضح دلالته ، وهو نقيض المبين ، وهو ما احتمل أمرين فصاعدا على السواء .

                                                                                                                          ( إذا قال : له علي شيء ، أو كذا ) صح إقراره بغير خلاف نعلمه .

                                                                                                                          ويفارق الدعوى حيث لا تصح بالمجهول ; لكون الدعوى له والإقرار عليه ، فلزمه ما عليه مع الجهالة دون ما له ؛ ولأن الدعوى إذا لم تصح فله تحريرها ، والمقر لا داع له إلى التحرير ، ولا يؤمن رجوعه عن إقراره فألزمنا مع الجهالة .

                                                                                                                          وتصح الشهادة على الإقرار به كالمعلوم . ( وقيل له : فسر ) أي : يلزمه تفسيره ; لأن الحكم بالمجهول لا يصح . ( فإن أبى حبس حتى يفسر ) أي : إذا امتنع من التفسير فإنه يحبس حتى يفسر . ذكره الأصحاب ; لأن التفسير حق عليه ، فإذا امتنع منه حبس عليه كالمال .

                                                                                                                          وقال القاضي : يجعل ناكلا ويؤمر المقر له بالبيان ، فإن بين شيئا ، فصدقه المقر ، ثبت . وإن كذبه وامتنع من البيان ، قيل له : إن بينت وإلا [ ص: 356 ] جعلتك ناكلا ، وقضيت عليك . ( فإن مات أخذوا إرثه بمثل ذلك ، إن خلف الميت شيئا يقضى منه ) زاد في " المحرر " و " الرعاية " و " الفروع " : وقلنا : لا يقبل تفسيره بحد قذف ; لأن الحق ثبت على مورثهم ، فتعلق بتركته كما لو كان معينا . ( وإلا فلا ) أي : لا يؤاخذ بالتفسير حيث لم يخلف الميت شيئا يقضى منه ; لأن الوارث لا يلزمه وفاء دين الميت إذا لم يخلف تركة كمال يلزمه في حياته .

                                                                                                                          وعنه : إن صدق الوارث موروثه في إقراره ، أخذ به وإلا فلا . وقيل : إن أبى وارث أن يفسره ، وقال : لا علم لي بذلك . حلف ، ولزمه من التركة ما يقع عليه الاسم ، كالوصية له بشيء .

                                                                                                                          قال في " الشرح " : ويحتمل أن يكون المقر كذلك ـ إذا حلف أن لا يعلم ـ كالوارث .

                                                                                                                          فرع : إذا ادعى عليه شيئا ، فأقر بغيره صح ، نص عليه إن صدقه ، والدعوى باقية ، ( فإن فسره بحق شفعة أو مال ، وإن قل ، قبل ) وثبت ; لأنه يصح إطلاقه على ما ذكر حقيقة وعرفا ، إلا أن يكذبه المقر له ، ويدعي جنسا آخر ، أو لا يدعي شيئا ، فيبطل إقراره . وكذلك سائر ما يتمول غالبا . ( وإن فسره بما ليس بمال ، كقشر جوزة أو ميتة أو خمر ، لم يقبل ) وكذلك سائر ما لا يتمول عادة ; لأن إقراره اعتراف بحق عليه . فإذا فسره بقشر جوزة أو بيضة لم يقبل ; لأنه لا يثبت في الذمة . [ ص: 357 ] وأما الميتة والخمر فليسا بحق عليه . قال جماعة : وكحبة بر أو شعير . وقيل : يقبل . وجزم به الأزجي ، وزاد : إنه يحرم أخذه ، ويجب رده . . . . وإن قلته لا تمنع طلبه والإقرار به . والأشهر : لا يقبل برد سلام وتشميت عاطس وعيادة مريض وإجابة دعوة ونحوه ; لأن هذه الأشياء تسقط بفواتها ، ولا تثبت في الذمة . وقيل : يقبل تفسيره إذا أراد حقا على رد سلامه إذا سلم ، وتشميته إذا عطس ، للخبر . ( وإن فسره بكلب أو حد قذف ، فعلى وجهين ) :

                                                                                                                          أحدهما : يقبل . لم يذكر في حد القذف ، في " الكافي " غيره ، وصححه في " الشرح " ، فيه أيضا ; لأنه حق عليه في ذمته ، والكلب شيء يجب رده وتسليمه إليه ، فالإيجاب يتناوله .

                                                                                                                          والثاني : لا يقبل . جزم به في " الوجيز " ; لأن حد القذف ليس بمال ، والإقرار إخبار عما يجب ضمانه ، والكلب لا يجب ضمانه . ولم يفرق المؤلف هنا في الكلب بين ما يجوز اقتناؤه أو يحرم ، وكذا السامري ، وقدمه في " الرعاية " .

                                                                                                                          والمذهب ـ كما ذكره في " الكافي " و " المحرر " و " الشرح " و " الفروع " ـ : أن الخلاف إنما هو فيمن يباح نفعه .

                                                                                                                          فعلى هذا : لو فسره بما لا يجوز اقتناؤه لم يقبل ، قولا واحدا . والخلاف جار [ ص: 358 ] في جلد ميتة . وذكر الأزجي : وفي ميتة . وأطلق في " التبصرة " الخلاف في كلب وخنزير . ( وإن قال : غصبته شيئا . ثم فسره بنفسه ، أو ولده ، لم يقبل ) جزم به في " المستوعب " و " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " : في نفسه ; لأن الغصب لا يثبت عليه ، ولا على ولده ؛ إذ الغصب الاستيلاء على مال الغير ، وإن فسره بخمر أو جلد ميتة أو كلب فيه نفع ، قبل منه .

                                                                                                                          وفي الولد وجه : أنه يقبل . وفي " المغني " و " الشرح " : أنه إن فسره بما ينتفع به قبل .

                                                                                                                          قال الأزجي : فإن كان المقر له مسلما ، لزمه إراقة الخمر وقتل الخنزير . وإن قال : غصبتك . ثم فسره بحبسه وسجنه ، قبل .

                                                                                                                          وفي " الكافي " : لا يلزمه شيء ; لأنه قد يغصبه نفسه . وذكر الأزجي : إن قال : غصبتك . ولم يقل شيئا ، قبل بنفسه وولده عند القاضي .

                                                                                                                          قال : وعندي لا ; لأن الغصب حكم شرعي ، فلا يقبل إلا بما هو ملتزم شرعا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية