الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله عن رجل أراد أن يواقع زوجته في شهر رمضان بالنهار فأفطر بالأكل قبل أن يجامع ثم جامع فهل عليه كفارة أم لا ؟ وما على الذي يفطر من غير عذر ؟

                التالي السابق


                فأجاب : الحمد لله . هذه المسألة فيها قولان للعلماء مشهوران : أحدهما : تجب وهو قول جمهورهم : كمالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم .

                والثاني : لا تجب وهو مذهب الشافعي وهذان القولان مبناهما : على أن الكفارة سببها الفطر من الصوم أو من الصوم الصحيح بجماع أو بجماع وغيره على اختلاف المذاهب . فإن أبا حنيفة [ ص: 261 ] يعتبر الفطر بأعلى جنسه ومالك يعتبر الفطر مطلقا فالنزاع بينهما إذا أفطر بابتلاع حصاة أو نواة ونحو ذلك . وعن أحمد رواية أنه إذا أفطر بالحجامة كفر كغيرها من المفطرات . بجنس الوطء فأما الأكل والشرب ونحوهما فلا كفارة في ذلك .

                ثم تنازعوا هل يشترط الفطر من الصوم الصحيح ؟ فالشافعي وغيره يشترط ذلك فلو أكل ثم جامع أو أصبح غير ناو للصوم ثم جامع أو جامع وكفر ثم جامع : لم يكن عليه كفارة ; لأنه لم يطأ في صوم صحيح .

                و أحمد في ظاهر مذهبه وغيره يقول : بل عليه كفارة في هذه الصور ونحوها ; لأنه وجب عليه الإمساك في شهر رمضان فهو صوم فاسد فأشبه الإحرام الفاسد .

                و كما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه بالإمساك عن محظوراته فإذا أتى شيئا منها كان عليه ما عليه من الإحرام الصحيح وكذلك من وجب عليه صوم شهر رمضان إذا وجب عليه الإمساك فيه وصومه فاسد لأكل أو جماع أو عدم نية فقد لزمه الإمساك عن محظورات الصيام . فإذا تناول شيئا منها كان عليه ما عليه في الصوم [ ص: 262 ] الصحيح . وفي كلام الموضعين عليه القضاء .

                وذلك لأن هتك حرمة الشهر حاصلة في الموضعين ; بل هي في هذا الموضع أشد ; لأنه عاص بفطره أولا فصار عاصيا مرتين فكانت الكفارة عليه أوكد ولأنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا لصار ذريعة إلى ألا يكفر أحد فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل ثم يجامع بل ذلك أعون له على مقصوده فيكون قبل الغدا عليه كفارة وإذا تغدى هو وامرأته ثم جامعها فلا كفارة عليه وهذا شنيع في الشريعة لا ترد بمثله .

                فإنه قد استقر في العقول والأديان أنه كلما عظم الذنب كانت العقوبة أبلغ وكلما قوي الشبه قويت والكفارة فيها شوب العبادة وشوب العقوبة وشرعت زاجرة وماحية فبكل حال قوة السبب يقتضي قوة المسبب .

                ثم الفطر بالأكل لم يكن سببا مستقلا موجبا للكفارة . كما يقوله أبو حنيفة ومالك فلا أقل أن يكون معينا للسبب المستقل بل [ ص: 263 ] يكون مانعا من حكمه وهذا بعيد عن أصول الشريعة .

                ثم المجامع كثيرا ما يفطر قبل الإيلاج فتسقط الكفارة عنه بذلك على هذا القول وهذا ظاهر البطلان والله أعلم .




                الخدمات العلمية