الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وخيار المشتري لا يمنع ولا يملك ) أي لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع فيخرج عن ملكه للزومه من جهة من لا خيار له فلو أعتقه البائع لم يصح إعتاقه ولو كان البائع حلف وقال إن بعته فهو حر فباعه بخيار للمشتري لم يعتق لخروجه عن ملكه ولو باعه بخيار له عتق ولا يملكه المشتري عند الإمام رحمه الله تعالى لكن يصح إعتاقه ويكون إمضاء كما في الخانية وفيها باع عبدا بجارية على أن بائع العبد بالخيار ثلاثة أيام فأعتق البائع العبد في الثلاثة أيام نفذ عتقه في قولهم ويبطل البيع لأنه أعتق ملك نفسه وإن أعتق الجارية جاز ويكون إسقاطا للخيار ويتم ولو أعتقهما في كلام واحد نفذ عتقه لعدم الأولوية فيهما ويغرم قيمة [ ص: 14 ] الجارية ولا ينفذ إعتاق المشتري في العبد ولا في الجارية ولو كان الخيار للمشتري انعكست الأحكام ا هـ .

                                                                                        وقالا يملكه لأنه لما خرج عن ملك البائع فلو لم يدخل في ملك المشتري يكون زائلا لا إلى مالك ولا عهد لنا به في الشرع ولأبي حنيفة أنه لما لم يخرج الثمن عن ملكه فلو قلنا بأنه يدخل المبيع في ملكه لاجتمع البدلان في ملك رجل واحد حكما للمعاوضة ولا أصل له في الشرع لأن المعاوضة تقتضي المساواة ولأن الخيار شرع نظرا للمشتري ليتروى فيقف على المصلحة فلو ثبت الملك ربما يعتق عليه من غير اختياره بأن كان قريبه فيفوت النظر وأورد على قوله لزوم السائبة ورد بأنها هي التي لا ملك فيها لأحد ولا علقة ملك والعلقة موجودة هنا وأورد أيضا استحقاق الشفعة بما بيع بخيار للمشتري وهو دليل على ملكه وأجيب بأن استحقاقها لم ينحصر في الملك بل هو أو ما في معناه من كونه أحق بها تصرفا بدليل صحة إعتاقه كاستحقاق العبد المأذون لها مع أنه لا ملك له حقيقة وهو تكلف لا يحتاج إليه لما سيأتي أن البيع ينبرم في ضمن طلب الشفعة فيثبت مقتضى تصحيحا ثم اعلم أن قولهما في دليلهما ولا عهد لنا به في الشرع معناه في باب التجارة والمعاوضات فاندفع عنهما ما أورد من شراء متولي أمر الكعبة إذا اشترى عبدا لخدمتها وعبد الوقف إذا ضعف وبيع واشترى ببدله آخر لم يملكه المشتري لأنه من باب الأوقاف .

                                                                                        وكذا لا ترد التركة المستغرقة بالدين فإنها تخرج عن ملك الميت ولا تدخل في ملك الورثة والغرماء للقيد المذكور وأما حكم جناية العبد في مدة الخيار فإن كان الخيار للبائع فأجاز البيع لم يكن مختارا للفداء وخير المشتري بين الدفع والفداء وإن فسخ البيع خير البائع كذلك وفي الأول إنما يخير المشتري بين الدفع والفداء إذا اختار إمضاء البيع فإن اختار المشتري فسخه فالخيار للبائع للعيب الحادث في يد البائع فإن كانت في يد المشتري فالبائع على خياره فإن أجاز ثبت الملك للمشتري من وقت العقد وخير بين الدفع والفداء فإن كان الخيار للمشتري فجنى في يده في مدته لم يكن له أن يرده على بائعه ولو بيعت دار بخيار لأحدهما فوجد فيها قتيل فالدية على عاقلة ذي اليد عنده وعندهما على من يصير الملك له ولا يكون وجود القتيل عيبا فلا خيار للمشتري بخلاف جناية العبد المبيع فإنها عيب كذا في التتارخانية .

                                                                                        وقول الإمام ولا أصل له في الشرع معناه في المعاوضة فلا يرد عليه المدبر إذا غصب وضمن الغاصب قيمته فإنه يملكه فقد اجتمع العوضان في ملك السيد لأنه ضمان جناية لا ضمان معاوضة كذا في المعراج وفتح القدير ولكن يرد عليه باب السلم فإن المسلم إليه ملك رأس مال السلم والمسلم فيه فقد اجتمعا في المعاوضة وأجيب بأن المسلم فيه دين لرب السلم في ذمة المسلم إليه فهو كالثمن يملكه البائع في ذمة المشتري وأورد المنافع والأجرة المعجلة ملكهما المؤجر وأجيب بأنها معدومة فلا ملك لها وإذا حدثت ملكها المستأجر كذا في البناية قيد بالمبيع لأن الثمن لا يخرج عن ملك المشتري إجماعا كما بيناه وفي السراج الوهاج والنفقة تجب على المشتري بالإجماع إذا كان الخيار له بخروج المبيع عن ملك البائع ولو تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار والخيار له جاز تصرفه إجماعا ويكون إجازة منه ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة أن زوائد المبيع موقوفة إن تم البيع كانت للمشتري وإن فسخ للبائع ا هـ .

                                                                                        وفي جامع الفصولين المشتري بالخيار لو رهن بالثمن رهنا جاز الرهن به ا هـ .

                                                                                        فإن قلت : ذكر في جامع الفصولين أيضا أن الخيار إذا كان للمشتري فأبرأه البائع عن الثمن لم يجز إبراؤه . ا هـ .

                                                                                        وفي التتارخانية وروي عن محمد جوازه فينبغي أن لا يصح الرهن أيضا قلت : الإبراء يعتمد الدين ولا دين له عليه لأن الثمن باق على ملكه والرهن لا يشترط له وجود الدين حقيقة بدليل صحته على الدين الموعود به وقد بيناه [ ص: 15 ] فيما كتبناه من حواشي جامع الفصولين ولكن نقل بعده أن عدم صحة الإبراء قول أبي يوسف وفي المعراج أن عدم صحته قياس والاستحسان صحته لأنه إبراء بعد وجود السبب وهو البيع والدليل على أن الإبراء يعتمد تعلق الحق لا حقيقة الدين لو أبرأ البائع الموكل عن ثمن ما اشتراه الوكيل فإنه يصح الإبراء مع أن الثمن على الوكيل والدليل على التعلق بالموكل أن المشتري لو أتى بالثمن للموكل فإنه يجبر على القبول ولو كان للمشتري دين على الموكل صار قصاصا بالثمن ولولاه لم يجبر ولم يصر قصاصا كما في الصيرفية وفي السراجية اشترى على أنه بالخيار لم يجبر البائع على تسليم المبيع وإن نقد المشتري الثمن وفي التتارخانية .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فينبغي أن لا يصح الرهن أيضا ) تفريع على قوله لم يجز إبراؤه وقوله قلت : إلخ جواب عنه .




                                                                                        الخدمات العلمية