الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمود بن غيلان حدثنا معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة ) بفتح عين فكسر موحدة ( عن عبد الله ) أي : ابن مسعود كما في نسخة ( قال : قال ) أي : لي كما في نسخة ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقرأ علي ) أي : وهو على المنبر كما في رواية الصحيحين كذا ذكره الحنفي لكن قال ميرك : وقع في رواية الأعمش عند البخاري بلفظ قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر ، ووقع في رواية محمد بن فضالة الظفري أن ذلك كان وهو في بني ظفر أخرجه ابن أبي حاتم ، والطبراني وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاهم في بني ظفر ، ومعه ابن مسعود ، وأناس من أصحابه أمر قارئا فقرأ فأتى على هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فبكى حتى ضرب لحياه ، ووجنتاه فقال : يا رب هذا شهدت على من يأتي بين ظهراني فكيف لمن لم أره ، وأخرج ابن المبارك في الزهد من طريق سعيد بن المسيب قال : ليس من يوم إلا يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم ، ففي هذا المرسل ما يرفع الإشكال الذي تضمن حديث محمد بن فضالة انتهى .

والحاصل أنهما قضيتان ، ويحتمل أن القارئ في بني ظفر أيضا هو ابن مسعود لكونه موجودا فيهم لكنه خلاف المتبادر من التنكير في قوله فأمر قارئا والله أعلم .

( فقلت : يا رسول الله أقرأ ) أي : وأقرأ ( عليك وعليك أنزل ) أي : القرآن من رب رحيم على لسان رسول كريم ( قال : إني أحب أن أسمعه من غيري ) أي : كما أحب أن أسمعه غيري ، قال ابن بطال : يحتمل أن يكون أحب سماع القرآن من غيره ليكون عرض القرآن سنة ، ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ، ويفهمه وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ، وأنشط على التفكر من القارئ لذلك لاشتغاله بالقرآن ( فقرأت سورة النساء حتى بلغت ) أي : أنا وجئنا بك على هؤلاء أي : على أمتك أو هؤلاء الأنبياء شهيدا أي : مزكيا أو مثنيا أو شاهدا وحاضرا ( قال ) أي : ابن مسعود ( فرأيت عيني النبي - صلى الله عليه وسلم - تهملان ) بفتح التاء وكسر الميم وضمها أي : تسيلان دموعا وفي الصحيحين [ ص: 146 ] حتى أتيت هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال : حسبك الآن ، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان .

وذرفت العين سال دمعها من حد ضرب ، قال المظهر : معنى الآية كيف حال الناس في يوم تحضر أمة كل نبي ، ويكون بينهم شهيدا بما فعلوا من قبولهم النبي أو ردهم إياه ، وكذلك يفعل بك وبأمتك انتهى .

وتعقبه الطيبي بما لا طائل تحته عند ذوي النهى ، قال ابن بطال : إنما بكى - صلى الله عليه وسلم - عند تلاوة هذه الآية أنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة ، وشدة الحال الداعية إلى شهادته لأمته بالتصديق ، وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف ، وهو أمر يحق له طول البكاء انتهى .

والذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته ; لأنه علم أنه لا بد أن يشهد بعملهم ، وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضي إلى تعذيبهم ذكره العسقلاني ، وما قاله ابن بطال أظهر مع أنه لا منع من الجمع ، وأما ما قاله الحنفي من أنه يمكن أن يكون بكاؤه للسرور من خطاب الله عليه بأنك شاهد عليهم فكلام مردود لا يقبله الذوق السليم على ما قاله ميرك شاه .

وأما قول ابن حجر تبعا للحنفي يؤخذ منه استحباب القراءة في مجلس الوعظ والواعظ على المنبر ، وحل استماع العالي لقراءة السافل فباطل أيضا ; لأنه ليس في شيء من طرق هذا الحديث التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الكلام لابن مسعود في أثناء الوعظ ، والنصيحة للصحابة ، ومجرد الجلوس على المنبر لا يدل على الوعظ لاحتمال أن يكون لمصلحة أخرى كما أفاده ميرك شاه ، نعم فيه جواز أمر السامع للقارئ بقطع القراءة إذا عرض له أمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية