الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يكاد السماوات يتفطرن من فوقهن .

جملة مستأنفة مقررة لمعنى جملة وهو العلي العظيم ولذلك لم تعطف عليها ، أي يكاد السماوات على عظمتهن يتشققن من شدة تسخرهن فيما يسخرهن الله له من عمل لا يخالف ما قدره الله لهن ، وأيضا قد قيل : إن المعنى : يكاد السماوات يتفطرن من كثرة ما فيهن من الملائكة والكواكب وتصاريف الأقدار ، فيكون في معنى قول النبيء صلى الله عليه وسلم : أطت السماء وبحقها أن تئط ، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلا فيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده ويرجحه تعقيبه بقوله تعالى : والملائكة يسبحون بحمد ربهم كما سيأتي .

وقرأ نافع وحده والكسائي ( يكاد ) بتحتية في أوله . وقرأه الباقون بفوقية وهما وجهان جائزان في الفعل المسند إلى جمع غير المذكر السالم وخاصة مع عدم التأنيث الحقيقي . وتقدم في سورة مريم قوله : ( يكاد السماوات يتفطرن منه ) .

[ ص: 30 ] وقرأ الجمهور يتفطرن بتحتية ثم فوقية وأصله مضارع التفطر ، وهو مطاوع التفطير الذي هو تكرير الشق . وقرأه أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بتحتية ثم نون وهو مضارع : انفطر ، مطاوع الفطر مصدر فطر الثلاثي ، إذا شق ، وليس المقصود منه على القراءتين قبول أثر الفاعل; إذ لا فاعل هنا للشق وإنما المقصود الخبر بحصول الفعل ، وهذا كثير ، كقولهم : انشق ضوء الفجر ، فلا التفات هنا لما يقصد غالبا في مادة التفعل من تكرير الفعل إذ لا فاعل للشق هنا ولا لتكرره ، فاستوت القراءتان في باب البلاغة ، على أن استعمال صيغ المطاوعة في اللغة ذو أنحاء كثيرة واعتبارات كما نبه عليه كلام الرضي في شرح الشافية .

وقوله من فوقهن يجوز أن يكون ضمير فوقهن عائدا على السماوات ، فيكون المجرور متعلقا بفعل يتفطرن بمعنى : أن انشقاقهن يحصل من أعلاهن ، وذلك أبلغ الانشقاق لأنه إذا انشق أعلاهن كان انشقاق ما دونه أولى ، كما قيل في قوله تعالى : وهي خاوية على عروشها كما تقدم في سورة البقرة وفي سورة الحج . وتكون ( من ) ابتدائية .

ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى الأرض من قوله تعالى وما في الأرض على تأويل الأرض بأرضين باعتبار أجزاء الكرة الأرضية أو بتأويل الأرض بسكانها من باب واسأل القرية .

وتكون ( من ) زائدة زيادتها مع الظروف لتأكيد الفوقية ، فيفيد الظرف استحضار حالة التفطر وحالة موقعه ، وقد شبه انشقاق السماء بانشقاق الوردة في قوله تعالى : فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان . والوردة تنشق من أعلاها حين ينفتح برعومها فيوشك إن هن تفطرن أن يخررن على الأرض ، أي يكاد يقع ذلك لما فشا في الأرض من إشراك وفساد على معنى قوله تعالى : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا يكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ) ويرجحه قوله الآتي والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم . وعن ابن عباس ( يكاد السماوات يتفطرن ) من قول المشركين اتخذ الله ولدا .

[ ص: 31 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية