الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3784 [ 1907 ] وعن أنس بن مالك قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين، وكن أمهاتي يحثثنني على خدمته، فدخل علينا دارنا، فحلبنا له من شاة داجن، وشيب له من بئر في الدار، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر - وأبو بكر عن شماله -: يا رسول الله، أعط أبا بكر، فأعطاه أعرابيا عن يمينه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأيمن فالأيمن.

                                                                                              وفي رواية: فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي وترك أبا بكر وعمر، وقال رسول الله الأيمنون الأيمنون الأيمنون، قال أنس: فهي سنة، فهي سنة، فهي سنة.

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 113) والبخاري (5619) ومسلم (2029) (124 - 126) وأبو داود (3726) والترمذي (1893) وابن ماجه (3425).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و(قول أنس : وكن أمهاتي ) هذا على لغة قوله - صلى الله عليه وسلم -: يتعاقبون فيكم ملائكة.

                                                                                              و( يحثثنني ) أي: يحضضنني، حث وحض ورغب بمعنى واحد.

                                                                                              و( شيب ) أي: خلط بالماء ومزج ليبرد.

                                                                                              وإنما بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأعرابي لأنه كان عن يمينه، فبين أن ذلك سنة، ولذلك قال: الأيمن فالأيمن، أي: أعط الأيمن، وابدأ به. وقيل أيضا: إنه قصد استئلافه، فإنه كان من كبراء قومه؛ فلذلك جلس عن يمينه، والأول أظهر، ولا يبعد قصد المعنى الثاني.

                                                                                              [ ص: 291 ] و(قول أنس : فهي سنة، فهي سنة ) يعني: مناولة الشراب الأيمن فالأيمن.

                                                                                              وهل تجري هذه السنة في غير الشراب، كالمأكول، والملبوس، وغيرهما من جميع الأشياء؟ قال المهلب وغيره: نعم. وقال مالك : إن ذلك في الشراب خاصة. قال أبو عمر : ولا يصح ذلك عن مالك .

                                                                                              قال القاضي عياض : ويشبه أن يكون معنى قول مالك : إن ذلك في الشراب خاصة أنه فيه جاءت السنة بتقديم الأيمن فالأيمن، وغيره إنما هو من باب الاجتهاد والقياس.

                                                                                              و(قوله - صلى الله عليه وسلم -: الأيمنون الأيمنون ) هذا مبتدأ، وخبره محذوف; أي: الأيمنون أولى.

                                                                                              والغلام الذي كان عن يمين النبي - صلى الله عليه وسلم - هو عبد الله بن عباس ، وإنما استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - الغلام، ولم يستأذن الأعرابي في الحديث الآخر، وبدأ به قبل أبي بكر لما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - من حال الغلام أن ذلك الاستئذان لا يخجله ولا ينفره لرياضته، وحسن خلقه، ولينه، بخلاف الأعرابي; فإن الجفاء والنفرة غالبة على الأعراب، فخاف عليه أن يصدر منه سوء أدب. والله تعالى أعلم.




                                                                                              الخدمات العلمية