الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فبأي آلاء ربكما تكذبان

قوله تعالى : كل من عليها فان الضمير في عليها للأرض ، وقد جرى ذكرها في أول السورة في قوله تعالى : والأرض وضعها للأنام وقد يقال : هو أكرم من عليها يعنون الأرض وإن لم يجر لها ذكر . وقال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة هلك أهل الأرض فنزلت : كل شيء هالك إلا وجهه فأيقنت الملائكة بالهلاك ، وقاله مقاتل . ووجه النعمة في فناء الخلق التسوية بينهم في الموت ، ومع الموت تستوي الأقدام . وقيل : وجه النعمة أن الموت سبب النقل إلى دار الجزاء والثواب .

ويبقى وجه ربك أي ويبقى الله ، فالوجه عبارة عن وجوده وذاته سبحانه ، قال الشاعر :

قضى على خلقه المنايا فكل شيء سواه فاني

وهذا الذي ارتضاه المحققون من علمائنا : ابن فورك وأبو المعالي وغيرهم . وقال ابن عباس : الوجه عبارة عنه كما قال : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقال أبو المعالي : وأما الوجه فالمراد به عند معظم أئمتنا وجود الباري تعالى ، وهو الذي ارتضاه شيخنا . ومن الدليل على ذلك قوله تعالى : ويبقى وجه ربك والموصوف بالبقاء عند تعرض الخلق للفناء وجود الباري تعالى . وقد مضى في ( البقرة ) القول في هذا عند قوله تعالى : فأينما تولوا فثم وجه الله وقد ذكرناه في ( الكتاب الأسنى ) مستوفى . قال القشيري : قال قوم هو صفة زائدة على الذات لا تكيف ، يحصل بها الإقبال على من أراد الرب تخصيصه [ ص: 151 ] بالإكرام . والصحيح أن يقال : وجهه وجوده وذاته ، يقال : هذا وجه الأم ووجه الصواب وعين الصواب . وقيل : أي يبقى الظاهر بأدلته كظهور الإنسان بوجهه . وقيل : وتبقى الجهة التي يتقرب بها إلى الله .

ذو الجلال الجلال عظمة الله وكبرياؤه واستحقاقه صفات المدح ، يقال : جل الشيء أي عظم وأجللته أي عظمته ، والجلال اسم من جل .

والإكرام أي هو أهل لأن يكرم عما لا يليق به من الشرك ، كما تقول : أنا أكرمك عن هذا ، ومنه إكرام الأنبياء والأولياء . وقد أتينا على هذين الاسمين لغة ومعنى في الكتاب الأسنى مستوفى . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألظوا ب " يا ذا الجلال والإكرام " . وروي أنه من قول ابن مسعود ، ومعناه : الزموا ذلك في الدعاء . قال أبو عبيد : الإلظاظ : لزوم الشيء والمثابرة عليه . ويقال : الإلظاظ الإلحاح . وعن سعيد المقبري أن رجلا ألح فجعل يقول : اللهم يا ذا الجلال والإكرام ! اللهم يا ذا الجلال والإكرام ! فنودي : إني قد سمعت فما حاجتك ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية