الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا إسحاق بن منصور أنبأنا ) وفي نسخة أخبرنا ( أبو عامر حدثنا فليح ) بضم فاء ، وفتح لام ، وسكون تحتية فمهملة ( وهو ابن سليمان عن هلال بن علي عن أنس بن مالك قال : شهدنا ) أي : حضرنا ( ابنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وهي أم كلثوم زوجة عثمان بن عفان كما رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد ، وكذا أخرجه ابن سعد في الطبقات في ترجمة أم كلثوم ، ووهم من قال إنها رقية ; لأنها ماتت والنبي صلى [ ص: 154 ] الله عليه وسلم ببدر ، ولم يشهدها ( ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر ) أي : على طرفه والجملة حال ، وأغرب شارح حيث قال : وفي الحديث جواز الجلوس على القبر ( فرأيت عينيه تدمعان ) أي : يسيل دمعهما ( فقال : أفيكم رجل لم يقارف الليلة ) أي : البارحة .

في جامع الأصول لم يقارف أي : لم يذنب ذنبا ، ويجوز أن يراد الجماع فكنى عنه ، وقيل هو المعني في الحديث ، ويؤيده ما في النهاية قارف الذنب إذا داناه ، وقارف امرأته إذا جاءها ، ومنه الحديث في دفن أم كلثوم من كان منكم لم يقارف أهله الليلة فليدخل قبرها .

والحاصل أن قوله لم يقارف بالقاف والراء والفاء من المقارفة على صيغة المبني للفاعل ، وأن المفعول هنا محذوف وهو الذنب أو امرأته ، وأهله ، وقد زاد ابن المبارك عن فليح أراه يعني الذنب ذكره البخاري تعليقا ، ووصله الإسماعيلي وحكى عن الطحاوي أنه قال : لم يقارف تصحيف ، والصواب لم يقاول أي : لم ينازع غيره في الكلام ; لأنهم كانوا يكرهون الكلام بعد العشاء كذا ذكره العسقلاني ( قال أبو طلحة : أنا ) أي : الذي لم يجامع امرأته ، ويبعد أن يكون المعنى أنا الذي لم يذنب ذنبا ، ولو مقيدا بالليلة اللهم إلا أن يراد به الكبيرة والله أعلم .

وقد جزم ابن حزم بأن معناه لم يجامع تلك الليلة وقال معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يذنب تلك الليلة ، قال ميرك ويقويه أن رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بلفظ لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة فتنحى عثمان أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط ، والحاكم في المستدرك ( قال ) وفي نسخة فقال : ( انزل فنزل في قبرها ) وأبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي غلبت عليه كنيته صحابي مشهور شهد المشاهد ، وقال - صلى الله عليه وسلم - لصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل ، وقتل يوم حنين عشرين رجلا ، وأخذ أسلابهم ، وفضائله كثيرة ، وفي الحديث أن لولى امرأة ماتت أن يأمر أجنبيا بأن ينزل في قبرها ، وفيه إدخال الرجل المرأة قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء ، والتوسل بالصالحين في أمثاله .

فإن قيل ما الحكمة فيه إذا فسر المقارفة بالمجامعة قلت لعله لم يرد ، وأن يكون النازل فيه قريب العهد بمخالطة النساء لتكون نفسه مطمئنة ساكنة كالناسية للشهوة وروي أن عثمان في تلك الليلة باشر جارية ، فعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعجبه حيث شغل عن المريضة المحتضرة بها ، فأراد أنه لا ينزل في قبرها معاتبة عليه ، فكنى به أو حكمة أخرى الله أعلم بها ، وقال صاحب الاستيعاب : في ترجمة أم كلثوم استأذن أبو طلحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل في قبرها ، فأذن له ، وقال الخطابي : إنها بنت له صغيرة غير رقية ، وأم كلثوم فيزول الإشكال من نزول الأجنبي مع وجود الأب والزوج ، وفيه أنه لم يثبت له - صلى الله عليه وسلم - ابنة طفلة كذلك على ما سبق وقيل أنه لم ينزل ليقبرها بل ليعين غيره ، وفيه أن الذين أعانهم ليسوا من محارمها ، فالإشكال باق على حاله ; لأن رواية المصنف هذه رواها البخاري أيضا وفي [ ص: 155 ] رواية أن الذي نزل قبرها علي ، والفضل وأسامة ; فإن صحت ، فلا مانع من نزول الأربعة ، وأخرج الدولابي أنه - صلى الله عليه وسلم - لما عزي برقية بنته امرأة عثمان قال : الحمد لله دفن البنات من المكرمات ثم زوج - صلى الله عليه وسلم - عثمان أم كلثوم ، وقال : والذي نفسي بيده لو أن عندي مائة بنت يمتن واحدة بعد واحدة زوجتك أخرى هذا جبريل أخبرني أن الله يأمرني أن أزوجكها رواه الفضائلي ، وبقي من بناته - صلى الله عليه وسلم - زينب ، وهي أكبرهن بلا خلاف ماتت سنة ثمان تحت ابن خالتها أبي العاص بن الربيع قال ابن عبد البر : فاطمة ، وأم كلثوم أفضل بناته - صلى الله عليه وسلم - لكن كانت فاطمة أحب أهله إليه ، ولم يكن له عقب إلا منها من جهة الحسن ، والحسين رضي الله عنهم ، والحاصل أن عقب عبد الله بن جعفر انتشر من علي ، وأخته أم كلثوم ابني زينب بنت الزهراء ، ولا ريب أن لهم شرفا لكنه دون شرف المنسوبين إلى الحسن ، والحسين ، وأما أولاده - صلى الله عليه وسلم - الذكور ففي عدتهم خلاف طويل ، والمتحصل من جميع الأقوال ثمانية ذكور اثنان متفق عليهما القاسم ، وإبراهيم وستة مختلف فيهم عبد الله وعبد مناف والطيب والمطيب والطاهر والمطهر ، والأصح أن الذكور ثلاثة ، وكلهم ذكورا وإناثا من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية القبطية أهداها له المقوقس القبطي صاحب مصر والإسكندرية ، وولدت له إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان ومات ، وله سبعون يوما على خلاف فيه وورد من طريق ثلاثة عن ثلاثة من الصحابة لو عاش إبراهيم لكان نبيا ، وتأويله أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع ، ولا يظن بالصحابة الهجوم على مثل هذا الظن ، وأما إنكار النووي كابن عبد البر لذلك ، فلعدم ظهور التأويل عندهما ، وهو ظاهر على ما ذكره ابن حجر

التالي السابق


الخدمات العلمية